ماذا تعرفون عن النباتات السورية؟ باحثون يقدمون أجوبة مثيرة
في وقت تعاني سورية من تغيرات مناخية وحرب تهدد تنوعها الحيوي، يعمل ناشطون على توثيق النباتات وتصويرها كي تبقى إرثاً حياً للأجيال القادمة
هل تعلمون أن ثمة نباتات تحمل لقباً منسوباً إلى سورية، وهي تسمية لا تختلف مهما اختلف مكان أو زمان تواجدها؟ من تلك النباتات الأجاص السوري أو الكمثرى السورية (Pyrus syriaca)، واللافت أنها تحمل لقبها السوري حتى في كل من فلسطين ولبنان وتركيا، إضافة لموطنها الأصلي في سورية، وربما ستكون المفاجأة أكبر حينما تعلمون بوجود ۲٦ نوعاً نباتياً يُسمى علمياً وعالمياً بأسماء تنسب إلى سورية، و۱٦ نوعاً ينسب إلى دمشق، و۱۷ نوعاً إلى حلب، و٤ أنواع إلى تدمر، وغيرها من البلدات والمدن السورية.
وثمة مفاجأة أخرى يمكن أنو نوردها في هذه المادة، فإن كنتم من عشاق زهرة التوليب الشهيرة في هولندا، والتي تحولت إلى رمز وطني هناك، ودخلت عالم البورصة، فسنخبركم بأنها ذات أصول سورية، إذ نقلها القنصل الفخري الهولندي في حلب إلى اسطنبول، ومنها إلى بلاده، هذه المعلومات وغيرها الكثير نقلها لنا الباحث المتخصص بالبيئة وإدارة الموارد الطبيعية الدكتور موفق الشيخ علي، الذي عشق النباتات منذ سنوات شبابه الأولى وفي سبيلها أفنى سنوات عمره ما بين دراسة وجولات حقلية شملت طول البلاد وعرضها، ليقرر في النهاية تقديم خلاصة خبراته وتجاربه عبر موقع إلكتروني أسماه فلورا سيريا أونلاين، وأراد منه أن يكون قاعدة بيانات مجانية ومفتوحة للجميع ليعرفوا أي غنى تملك بلادهم قبل أن تطالها يد التغيرات المناخية والحرب.
نجح الدكتور موفق حتى الآن بتوثيق ۳۳٥۲" نباتاً محلياً يتوزع على ۹۰۲۰ قرية، ويشعر بالفخر أمام الإنجاز الذي قام به، خاص في ظل غياب مراجع مشابهة، وفي كل بقعة زارها، كانت تأسره نباتات مختلفة لم يصادفها أحياناً في المناطق السابقة، ويحزنه أنه في الوقت الذي مازال فيه الأجاص السوري يتمتع بحضوره على الأغصان، تعاني أزهار السوسن مثلاً خطر الانقراض، وهذه الزهرة نفسها جذبت اهتمام الشاب عمر الحلبي، وهو طالب في كلية الهندسة الزراعية بمحافظة السويداء، فقدم رسالة تخرجه في الجامعة حول أنواعها وأصنافها وطرق إكثارها، ولم يختر زهرته الجميلة هذه من الفراغ وإنما بعد جولات كثيرة نفذها في جبل العرب حيث يقيم، وحيث قرر توثيق كل ما تملكه هذه البقعة الجغرافية التي يصفها بأنها من أغنى البقاع في الشرق الأوسط بالتنوع الحيوي والنباتي بشكل خاص.
لا يعرف عمر متى بدأ شغفه بالطبيعة، ويعبر أنه جاء بالفطرة فمنذ ولد وجد نفسه محاطاً بالأشجار والنباتات وبالأراضي الزراعية، إذ أن والده لطالما اصطحبه للأرض ليعمل هناك، وحينما قرر الالتحاق بالجامعة اختار الهندسة الزراعية ليطور معلوماته، وهناك اكتشف هواية جديدة لم يكن مدركاً لها، وهي تصوير وتوثيق النباتات، هذه الهواية دفعته لإمضاء ساعات عديدة في البراري غير مكترث لأشعة الشمس ولا للبرد، ولا حتى لصعوبة المواصلات التي يعانيها، فهو مشغوف بنباتات منطقة جبل العرب حيث يقطن وينتمي، ورغم ضعف إمكانياته إذ لا يملك كاميرا احترافية وإنما يستخدم جهاز خليوي حديث، فهو يواظب مهماته ويقدم صوراً عديدة لأنواع يفتخر بأنها نادرة وربما لم يصادفها الكثيرون منذ عقود، ويلفت إلى أنه تأثر بجملة كتبها الباحث الفرنسي بول موتيرد الذي وثق النباتات في منطقته، قال فيها: "الاكتشاف النباتي في جبل الدروز لم ينته، ولكن تم إنجاز جزء كبير منه، ومن المحتمل أن يكمل الأشخاص القادمين هذا الاكتشاف"، وكان يشعر دائماً بأن هذه الجملة كأنها موجهة له، وبالفعل وثق حتى الآن أكثر من ٤۳۰ نوعاً، وقدم المئات من هذه التوثيقات إلى قاعدة بيانات التنوع الحيوي في سورية، التي تأسست قبل سنوات قليلة تحت إشراف الهيئة العامة للتقانة الحيوية تحت مظلة التعليم العالي السورية.
يشعر كل من الدكتور موفق وعمر وغيرهما من المهتمين بخطورة الوضع الذي تواجهه النباتات المحلية، خاصة وأن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعية IUCN أدرج قبل الحرب سبعة أنواع من النباتات التي تنمو في سورية على القائمة الحمراء، أي أنها مهددة بالانقراض، ويقول الدكتور موفق: "لا يمكن حسم موضوع اختفاء بعض الأنواع النباتية في بلد تحت تأثير الحرب من حوالي ١٤ سنة، وبالتالي دون إجراء تقييم ومسوحات حقلية لا يمكن إطلاق الأحكام ولكن مع تزايد عدد حرائق الغابات والمساحات المتأثرة فإن التغيير المناخي والاحترار البيئي مع تناقص معدلات الأمطار لابد من أن يكون له منعكس"، ويقدم لنا مثالاً عن شجرة الأرز، والتي بحسب تقديره التهمت الحرائق والقطع الجائر حوالي الـ ٥۰% منها، والأمر ذاته ينطبق على السنديان في السويداء، ويؤكد عمر هذا الأمر فالحرب دمرت الكثير من الأشجار والمناطق الحراجية في جبل العرب، فبعدما كانت تمتد المساحات الخضراء لمسافات طويلة بات من العسير إيجاد عشرين شجرة مجتمعة في مكان واحد، على قوله، ولهذا يعمل على تقديم ما يليق بمنطقته من حيث التنوع النباتي وتوثيق ما تملكه، كما يبذل الدكتور موفق جهده لحصر مناطق "التوزع الجغرافي للأنواع ذات التواجد المحدود حسب التسجيلات السابقة وللأنواع المتوطنة في سورية أي الانواع التي ينحصر وجودها الجغرافي في سورية".
والحفاظ على التنوع الحيوي باعتقاد الدكتور موفق ليس مجرد شيء جمالي أو قيمة أكاديمية فقط، بل هو قيمة اقتصادية أيضاً، ويشير إلى أن احتمالية انقراض أو حتى تراجع بعض الأنواع النباتية يفقدنا فرصة استثمارها كمورد اقتصادي أو كأصل وراثي ربما يحمل بين مورثاته بعض المميزات البيئية التي تتيح لنا مواجهة تأثير التغييرات المناخية على الزراعة والمحاصيل الزراعية سواء لناحية مقاومة الجفاف أو بعض الآفات الزراعية.
وبالتأكيد ستسهم تجارب التوثيق هذه ونداءات الناشطين والباحثين البيئيين في حماية ما تبقى من الإرث السوري النباتي واستعادة أصناف اختفت، وربما مع الأيام سيعود السوسن ليزين قاسيون والسنديان للسويداء وغيرها من الأنواع.
الأكثر شعبية
عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.