The Climate Tribe Logo
المقالات الرئيسيةخميس ١٥ فبراير ٢٠٢٤

عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟

حي يقدم نموذج لمنظمة متكاملة لإعادة التدوير، يعتبر حلقة الوصل بين تجميع القمامة من مختلف المدن المصرية وبين إعادة التدوير والتصنيع والاستفادة من المخلفات. هو حي الزبالين الذي يقع في منشأة ناصر بالقاهرة، كيف تعمل تلك المنظومة الشبيهة بخلية النحل؟ وكيف تعتبر عنصر أساسي للاستدامة؟

تصوير: صهيب رسمي
فن نابع من قلب الحيتصوير: صهيب رسمي فن نابع من قلب الحي

حي يعتبر أول منظومة -غير رسمية - متكاملة لإعادة التدوير، يسكنه أكثر من ۷۰ ألف شخص بجميع الأعمار، فحين تدخله تصادف أطفالًا عائدين من مدارسهم، وسيدات يمارسن أعمالهن، ورجال بمختلف الأعمار يعملون في مراحل مختلفة من جمع وفرز المخلفات، يعملون في نظام يشبه نظام خلية النحل؛ كلًا منهم يعرف مهمته. كيف لحي -ظاهريًا- يعتبر لجمع لقمامة، أن يكون منبع للحفاظ على البيئة؟

في الوهلة الأولى عند دخولك للحي، تتسلل إلى أنفك رائحة القمامة، التي ستعتاد عليها شيئًا فشيئًا بمجرد دخولك لتفاصيل الحي، فتتخيل كيف يتعايش سكانه مع هذه الرائحة بصفة مستمرة؟ لكنهم رأوا في المخلفات ما لم يراه غيرهم.

تلال من المخلفات على جانب الطريق وسط الحي
تصوير: نيره عبد العزيزتلال من المخلفات على جانب الطريق وسط الحي تصوير: نيره عبد العزيز

بعدها سيلفت انتباهك تجمعات المخلفات يمينًا ويسارًا، في منطقة تعتبر سكنية صناعية، شباب يعملون في الجمع والفرز والتصنيف، وآخرين يحملون وييعبئون عربات تختلف أحجامها، لكن تشعر في هذا المشهد الصامت أن كلًا منهم ترس في ماكينة يعرف تمامًا مهمته ودوره، هذا المشهد في قلب منشأة ناصر، في أحضان جبل المقطم بالقاهرة.

مدخل مراحل الفرز والتكسير في الحي 
تصوير: نيره عبد العزيزمدخل مراحل الفرز والتكسير في الحي تصوير: نيره عبد العزيز

توقفنا عند مخزن وجذب انتباهنا عمال يحيط بهم جبال من شرائط البلاستيك، تلتف حولهم هنا وهناك، دفعنا الفضول لمعرفة ما هذه الشرائط وماذا يفعل بها هؤلاء الشبان، فأخبرنا أحدهم ويدعى "جرجس" بأنهم يقوموا بإعادة تدوير البلاستيك للعديد من الأشكال التي نستخدمها مرات أخرى في صور مختلفة، لكنه تحديدًا يعمل في الأشرطة البلاستيك التي تستعمل في تغليف الأجهزة الكهربائية وما إلى ذلك، لكن ما وراء تلك العملية كانت القصة.

يروي "جرجس" بينما تلتف الأشرطة حول ذراعه في شكل فني: "نعيد تدوير المخلفات أيًا كان نوعها، فنبدأ بالتكسير فيما يعرف بالكسارة، وهي تعتبر مصنع صغير يتم فيه تكسير وفرم المخلفات بعد فرزها، فتخرج منها مفتتة في قوام البودرة، بعدها تمر بما يعرف بالخرازة، وتقوم الخرازة بطحن المخلفات بعد خروجها من الكسارة، فتخرج منها على هيئة خرز، فيدخل الخرز في ماكينة مخصصة ليخرج على شكل تلك الشرائط التي نعمل بها.

جمع الزجاجات البلاستيك وتجهيزها لدخول الكسارة 
 تصوير: صهيب رسميجمع الزجاجات البلاستيك وتجهيزها لدخول الكسارة تصوير: صهيب رسمي

"عرفنا من وقت ليس ببعيد أن البلاستيك ضار، من حملات وأشخاص أتوا إلى الحي وتناولوا معنا أطراف الحديث مثلكم، وعلمنا منهم أهمية ما نعمل به وأهمية الاستفادة بأشكال مختلفة من المخلفات والنفايات، تعلمنا منهم الكثير وهم أيضًا تعلموا منا، أما أنا، فأعمل بهذه المنظومة لأنني لم أجد عملًا آخر أتقنه كما أتقن هذا، فهي حرفة أبي أيضًا".

فهذه هي دورة عمل بسيطة في أحد أزقة الحي، يعمل بها "جرجس" الشاب العشريني الذي يسكن الحي، ويعمل في إدارة المخلفات التي يتم جمعها من مختلف الأحياء والمدن في القاهرة الكبرى لتجتمع جميعها في حي الوبالين، لتأخذ دورة حياة أخرى في شكل غير التي اعتادت عليه.

حتى القماش يتم إعادة تدويره في العزبة، هيتم جمع مخلفات القماش وما يعرف بـ "القاقيص" وهي قطع صغيرة غير متساوية من القماش، فيتم جمعه وفرزه ويمر بنفس المراحل، الكسارة ثم الخرازة، وبعدها يُصنع منه القطن، الفايبر، وجميع أنواع الملابس.

لكن صنع القماش يتم في العزبة بنسبة ۳۰% بأدوات بسيطة، لكن ما يحتاج إلى آلات حديثة ومصانع للملابس الجاهزة، فيتم تصديره إلى منطقة الخانكة، فهناك مصانع مجهزة لإنتاج أتواب القماش والصوف والفايبر المستخدم في المراتب والمخدات، وحتى السجاد اليدوي.

فباختصار شديد، يعتبر حي الزبالين مرحلة أساسية في إعادة التدوير، فهو الفيصل بين المخلفات في صورتها المنفرة، أكوام ملقاة في مختلف المناطق، وبين مرحلة التصنيع في ورش ومصانع مجهزة. الحي يقوم على إعادة إحياء المخلفات وفرزها وتنقيتها وتسليمها مجهزة إلى المصانع القادرة على خلق شكل جديد منها أيًا كانت الخامة سواء بلاستيك أو كرتون أو قماش.

الحي يجذب المهتمين بالمجال البيئي والاستدامة، فجذب صهيب رسمي، الخبير البيئي الأردني الذي قام بعمل دراسة بحثية عن الحي في دراسته في الجامعة الألمانية، وزار حي الزبالين وجولته كانت ملهمة، فقال: "هو حي فريد من نوعه، يدخله أكثر من ۸۰% من مخلفات القاهرة الكبرى.، وهو واحد من أهم وأكبر منظومات إعادة التدوير في العالم، كنت أعتقد أنه الأكبر بالفعل لكني زرت منظومة مشابهة له لكن أكبر قليلًا في أورجواي".

في أول زيارة لصهيب، كان لديه العديد من التساؤلات لأهل الحي، ويروي حكايته مع أول منزل تواصل مع أهله: "أول بيت صادفته حكيت مع أهله الذين كانوا يعملون بالمرحلة الأولى للفرز، فالنفايات موجودة في البيت على شكلها الأول كما هي، وكان الأب جالس وفي يده كوب من الشاي، والأم والأبناء يعملون في فصل النفايات وفرزها مع بعضهم البعض، سألتهم "ما بتخافوا من الأمراض التي يمكنها أن تنتقل إليكم هنا؟" جاوبوني بأنهم لديهم قناعة أنهم على مدار سنوات أجسامهم كوّنت مناعة ضد هذه الأمراض الناتجة عن النفايات".

الملهم والمبهر في هذا الحي، أن هؤلاء الناس قادرون على تقديم نموذج فريد من نوعه بإمكانيات بسيطة جدًا، يمكن أن يكون السر وراء ذلك هو إيمانهم بما يقومون به وأنه عمل حر غير معتمد على تمويل معين أو تابع إلى منظمة وما إلى ذلك.. كل واحد منهم يعتبر أن هذا هو عمله وعمل عائلته كأنهم في شركتهم الخاصة، فهو عملهم هم ويقدمونه على أكمل وجه، بشغف وإيمان وإتقان.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية

نعدكم أننا لن نعطي بريدكم الإلكتروني إلى أي طرف خارجي، كما يمكنكم إلغاء اشتراككم في أي وقت.

هل أعجبتك هذه المقالة؟
وقت القراءة٥ دقائق
    تفضيلات ملفات تعريف الارتباط

    نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربتكم. باستخدامكم لهذا الموقع، فإنكم توافقون على سياسة ملفات تعريف الارتباط