أجدادك فعلوها قبلك بالفطرة ودون كتب
لقاء خاص مع سيدات ملهمات في الإمارات يروين ما تعلمنه من أجدادهن من قيم وعادات، خاصة خلال شهر رمضان المبارك

مع كل رمضان، تتكرر الدعوات والندوات إلى الحد من هدر الطعام واعتماد نمط حياة أكثر استدامة، لكن هل تساءلنا يومًا كيف كان أجدادنا يعيشون هذا الشهر الفضيل؟ في الحقيقة، ستكتشف أنهم كانوا يطبقون مفاهيم الاستدامة قبل أن تصبح جزءًا من الحملات التوعوية والندوات الحديثة، أو قبل أن يصبح لها مفاهيم من الأساس وتدرس في الكتب، ويحصل العاملون بها على الجوائز، أجدادنا درسوها بالفطرة ومن حبهم لبيئتهم واحتكاكهم بالحياة وتعلموا بدون محاضرات كيف يديرونها بحكمة.. ولكن كيف كان ذلك؟
هذا مع عرفناه من ثلاث نساء إماراتيات أمهات وأصحاب رسالة، تعلمن مبادئ الاستدامة وعدم هدر الطعام من أجدادهن وتعلمن منهم كيف يصبح شهر رمضان مستدامًا بالفطرة ودون كتب!
نبدأ رحلة الاستدامة في شهر رمضان مع وضحة الشامسي من العين صاحبة مشروع مطبخ البيت العائلي، دخلت المطبخ منذ الصغر من مبدأ عائلتها بأن البنت لابد أن تعرف كل شيء، ولكنها اكتشفت موهبتها بعد سنوات عندما وجدت نفسها تطبخ دائمًا باستمتاع وتبتكر في الأكل، وكل أكلة كانت تترك ذكرى حلوة عند الأهل.

تحكي لنا عن مبدأ الاستدامة وعدم الهدر عند أجدادها المتمثل في أهم نقطة وهي فكرة " تبادل الأطباق" أو فيما يعرف شعبيًا بـ "الطبق الدوار"، وبرغم أن وضحة ما زالت تتذكر في طفولتها كم عدد المرات التي أكلت فيها نصف الطبق وهو في طريقه للجيران من لذاذة طعمه، ولكن هذا الأسلوب التراثي تعلموه من الأهل وزادهم من حب الجيران.
تقول وضحة" كان عندنا مبدأ تبادل الأطباق في رمضان، عملت لقيمات أو جريش لازم بأكل جاري معي، بنطبخ كمية مناسبة للعائلة بدون زيادة وفي نفس الوقت يكون للجار نصيب ولا نملى الصحن حتى يحن للطبق مرة أخرى ولا يصبح عندهم فائضًا".
هذه الطريقة ليست فقط تقوى الروابط، ولكن تمنع فرصة هدر الأكل الفائض ويصبح عند كل بيت أصناف مختلفة بكميات مناسبة.
وحتى لو أصبح هناك بواقي تعلمت رفعة من جدتها كيفية الابتكار في الأكل، إذا طبخت صالونة (طبيخ)وأرز وفاض رز تعمل عليه كبسة، وأحيانًا تستخدم البواقي كعلف وسماد وبواقي الزيت يصبح صابونًا على أيديها، تتفنن في ابتكار الأكل حتى لا يهدر، لدرجة إنها تتذكر حتى الآن كيف خدعت أخواتها الصغار بأن يأكلوا أكلة المضروبة التراثية من خلال إعادة تدويرها بذكاء.

وتضيف وضحة "حتى في التحضير للأكل إذا ما لقيت بصل وعيش أحصل عليهم من بيت الجيران، أحاول ربط الحاضر بالماضي من خلال ممارسات يومية مستدامة مرتبطة بذكريات أهلي".
أما عن السيدة رفعه مصلح العرياني، فهي حاصلة على الدكتوراه الفخرية في مجال الإبداع والابتكار، متقاعدة وأم لأربعة أبناء، تتذكر حتى الآن كيف كانت جدتها تعلمها إعداد خبز الرقاق وهي تشاركها القصص حول كيفية تحضير أنواع العجين في الماضي، وهم مجتمعون حول النار مستمتعين برائحة الخبز واللقيمات، وقتها فقط كانت تشعر رفعة إنها جزءاً من الماضي من خلال الطبخ مع جدتها.
حكت رفعة عن شهر رمضان مع أجدادها في الإمارات وتقول: "كان يُحتفل به بطرق بسيطة ومليئة بالروحانيات ومشاركة الطعام والمشاعر. كان الطعام يعتمد على المكونات المحلية والموسمية مثل التمر، مما يقلل من الهدر بسبب استخدام المنتجات الطازجة التي لا تحتوي على إضافات صناعية. وكانوا يتميزون بالتخطيط الجيد للوجبات، والتفكير في الكميات التي نحتاجها".
وتكمل رفعة مصلح: "كما كان الأجداد يتفننون في استخدام بقايا الطعام في وجبات أخرى. على سبيل المثال، بقايا الخبز يمكن أن تتحول إلى مرقوقة أو تُستخدم كطعام للحيوانات، وكانوا يحرصون على استخدام كل جزء من الطعام، مثل استخدام عظام اللحم في تحضير الحساء أو المرق."
وتضيف رفعة نقطة غاية في الدفء والمودة، وهي فكرة الطهي الجماعي في رمضان، فتقول: "في كثير من الأحيان، كنا نطبخ معًا كعائلة. كانت أمي تعلمنا كيف نعد الطعام معًا بشكل يضمن أن يكون لدينا فقط الكميات التي نحتاجها. كما كانت تستخدم التوابل الطبيعية بدلاً من استخدام الكثير من المواد الجاهزة، مثل زراعة البقدونس والكزبرة، واستخدام المتبقي من مرقة الدجاج بدلًا من مكعبات الماجي، وهو ما كان يساعد في تقليل الفاقد ويعطي الطعام نكهة مميزة."
أما عن السيدة موزة سالم الدرمكي، فهي من مواليد العين، حيث كان لمفاهيم الاستدامة والعطاء حضور قوي، وطالما كانت جدتها تؤمن بأن البركة في الأكل تكمن في تقديره واحترامه.
تتذكر تعلقها بمواسم حصاد التمر والليمون الذي كان يُزرع في مزارعها، وكيف أن كل تفصيلة في حياتهم كانت تعكس معاني عدم الهدر، فتقول: "التمر الجيد كان يُخزن في أكياس مصنوعة من الخوص لضمان حفظه لأطول فترة ممكنة. كان يُترك حتى يلين ويخرج منه الدبس، الذي كان يُستخدم لاحقًا في وصفات شعبية، أما التمر غير الصالح للأكل، فكان يُقدم كعلف للبهائم. كذلك، كانت جدتي تصنع من الحليب الجامي (الجبن) والروب الكريمي، الذي ما زلت أتذكر طعمه الحامض اللذيذ حتى هذه اللحظة."
وتضيف: "كانت العائلة تعد وجبات بسيطة ولكن مشبعة، مع التركيز على الأطعمة التي تدوم لفترات طويلة مثل الهريس والثريد والجامي، مع استخدام اللحوم والأسماك المجففة (مثل العومة) لتكون متاحة طوال العام دون الحاجة للتبريد."
وفي نهاية الحديث مع السيدة موزة والسيدة رفعة والسيدة وضحة، اكتشفت أن الشيء المشترك بينهن هو ما تعلمنه من أجدادهن حتى أصبح أسلوب حياة متأصلًا في ثقافتهن، وفي الوقت نفسه، شيئًا يربطهن بالماضي.
الأكثر شعبية
عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.