عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
لقاء مع المهندس نزار حداد صاحب مشروع (لايف هاوس) أول بيت مستدام ومكتفي ذاتيًا في لبنان.
" قبل أي شيء أنا إنسان عايش على الكرة الأرضية، بيدرك أهمية الطبيعة، هي من تجعلنا في النهاية قادرين على العيش، نحن قطعة "شقفة" منها وغير منفصلين، إذا خربت البيئة نحن أيضَا سنخرب" .. هكذا عرف نفسه لنا المهندس المعماري اللبناني نزار حداد ابن قرية بسكنتا وصاحب مشروع (لايف هاوس) أول بيت مستدام صديق للبيئة يتميز بالاكتفاء الذاتي ويؤمن احتياجاته من الحرارة والغاز والمياه.
نزار يمتلك قناعة استطاع أن يدمجها مع وظيفته كونه مهندسًا، ولكن التفكير في المشروع وحب الطبيعة لم يبدأ معه بين ليلة وضحاها بل بدأ معه من طفولته وقت أجازته الصيفية في الجبل، فيقول لنا " في الشتاء كنت في المدرسة على الساحل في بيروت، أما في الصيف اعتدت على تقضية أجازاتي في الجبل وسط الطبيعة، أثناء سيرنا وسط الجبال أكثر ما كان يلفت نظري هي البيوت القديمة، بيوت الحجر وبيوت الفلاحين، كيف كانت معمرة بحجر عشوائي ومنسجمة لدرجة الغرق، للحد الذي لا تستطيع أن تفرق بينها وبين الطبيعة كإنها قطعة منها ".
"البيوت هي التي أوحت لي إعادة التفكير نحو صحة ما نفعله، الهندسة القديمة التي كان يقوم بها أجدادنا وقتها كانت تحترم البيئة ۲۰۰%، مريحة ومصممة مع الطبيعة، تقوم بالتدفئة في الشتاء والتبريد في الصيف، كانت محترفة ومدروسة، وكانت بناء على دراسة محيط البيت، ولكن الآن لسوء الحظ أصبح العمار عشوائي نوعًا ما، خاصة مع مواد البناء الجديدة التي ظهرت مع الحداثة وغيرت فكر العالم ... اليوم المفروض إننا تطورنا ولكن هذا لم يحدث.
لم يكن هذا السبب النابع من طفولته هو الوحيد ليتجه نزار نحو البيوت المستدامة، بل الضيعة "القرية" التي تربى فيها على الاكتفاء الذاتي قديمًا سواء الزراعة أو الطواحين والتي دفعتهم أن يكونوا أقوياء ومستقلين عن أي شيء يحدث في الخارج سواء إقليمًا أو محليًا، لكن اليوم لا يجد نزار هذا الاكتفاء فيصف لنا "وقت حصار لبنان في ۲۰۰٦ فتنا بالحيط أول ما بتغلق الحدود بنموت من الجوع، وفي معظم الدول إذا وقف التبادل التجاري بيموتوا من الجوع، هذا شيء غير طبيعي، المفروض كل إنسان قادر على تأمين حاجاته الأساسية، مش بس يكون صديقًا للبيئة وكمان مكتفي ذاتيًا لأنهم متكاملين".
انطلاقًا من هذه الأسباب بدأت الفكرة تضح لنزار وتبلورت أكثر وقت دراسته هندسة بالجامعة، وقرر أن الهندسة الحديثة لا يجب أن تكون مفصولة مع الطبيعة، ولابد من دمجها مع علم أجدادنا القديم.
ووقت التجهيز على المشروع يصادف بمهندس يعمر البيوت عن طريق إعادة التدوير والبناء المكتفي ذاتًيًا يقوم بعمل ورش تعليمية في إندونيسيا على جزيرة عذراء لم تطأها قدم، فيسافر نزار ليحضر الورش ومن خلال الخبرة التي اكتسبها هناك بدأ المشروع، ومن ثم بدأ بناء البيت (لايف هاوس) واستمر نحو ثلاث سنوات لظروف اقتصادية كانت تمر بها البلد.
بناه على حسابه الخاص نظرًا لأن عملاءه في المشاريع الأخرى لم يمتلكوا وقتها القناعة الكافية لهذا الاتجاه، فقرر أن يبني نموذجه الخاص ويطبق فيه كل مبادئه، وكان النموذج على قريته بسكنتا المعروفة بإلهامها، وغناها وتنوعها التاريخي والجغرافي.
فبنى البيت من الطين والحجر ومن مواد معاد تدويرها، كالقوارير الزجاجية وإطارات السيارات والألواح الشمسية ونظام تجمع مياه المطر، وغيرها من الأشياء التي تغنيك عن دفع أي فواتير مستقبلية.
ومن بعدها قام بعمل مشاريع أخرى شبيهة للفكرة، منهم لإنشاء مركز مجتمعي صديق للأطفال وصديق للبيئة في قرية الخرايب في جنوب لبنان التابع لرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبيوت أخرى لأشخاص وعائلات بشكل خاص أخذت بعض مباديء البيت الأول وليس كلها نظرًا لرغبة العملاء في شيء من الحداثة.
في رأي نزار أن ما يمكن أن يدفع الأشخاص للامتناع عن الاتجاه نحو البيوت المستدامة هو خوفهم من تجربة شيء جديد ليس معممًا بالدرجة الكافية اللي تعطيهم الثقة لخوض التجربة في ظل عدم وجود الخبرة الكافية لها، وأحيانًا السبب يكون هو وضع الفكرة في قالب " الهندسة البسيطة" أو "رخيصة" لأنها من طين وحجر، فوضح نزار "إذا تكونت لديهم هذه الفكرة يتلاشوا الموضوع، لإنها لا تتواصل مع طبقتهم الاجتماعية، أو على العكس تمامًا من الممكن أن ينظروا لها إنها ذو تقنية عالية وغالية ومعقدة، مع إنها ولا شيء من هذه الأشياء".
نزار يفضل عدم ترجمة اسم مشروعه (لايف هاوس) لأنه اختاره بناء على معاني وكنايات كثيرة، فكلمة "هاوس" كناية عن "باو هاوس" نهضة الهندسة الحديثة التي بدأت في الثلاثينات في ألمانيا ويرى نزار أن البيت على نفس النهج، نهضة جديدة ولكن باتجاه بيئي وصحي، وكلمة "لايف" كناية عن (لايف بوت) قارب النجاة الذي يلجأ له العالم عندما تغرق السفينة لينقذوا حياتهم، ويوضح نزار "لايف هاوس يلعب نفس دور قارب النجاة، ولكن على البر لأن هذا النوع من البيوت المفروض تخلصنا من طريقة الحياة التي نغرق فيها الآن".
الأكثر شعبية
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.