السياحة المستدامة.. تحقيق التوازن بين الترفيه واحترام البيئة الثقافية

انتشر مؤخرًا مصطلح "السياحة المستدامة" بهدف الحفاظ على البيئة والاقتصاد وتنمية مقومات الدول، ليغير من المفهوم المعروف للسياحة التي اعتاد عليها الأشخاص، وتعتبر السياحة المستدامة واحدة من القضايا الرئيسية التي تجذب اهتمام العالم في الوقت الحالي، وازداد الطلب عليها مع تزايد الوعي العام بأهمية الحفاظ على البيئة والثقافات المحلية. لكن ما هو تعريف مصطلح السياحة المستدامة وما الذي يميزها؟

حسب تعريف منظمة السياحة العالمية، فإن السياحة المستدامة هي السياحة التي تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية، وتلبي احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.

وببساطة، السياحة المستدامة هدفها إحداث تأثير أقل وأبسط على البيئة والثقافة المحلية، ولها دور في المساهمة في خلق فرص عمل للسكان المحليين، وتشجيع السياحة في الأماكن المحلية التي نادرًا ما تكون على قائمة السائحين، بالإضافة لدور هام تقوم به السياحة المستدامة في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتحقيق أهداف نحو التنمية المستدامة.

ولنتعرف أكثر على التواصل مع المجتمعات المحلية، حاورنا هنزو راشد، مؤسس شركة ريدج أدفنجرز، تحت شعار "إظهر الجزء غير المرود بداخلك" لتتعرف على جزء مبهم في شخصيتك أثناء رحلتك. رؤية الشركة تعتمد على تطوير المجتمعات لاستدامة الطبيعة، والعمل مع المجتمعات المحلية للمساعدة في استدامة الطبيعة.

في البداية، شرح لنا هنزو لماذا يتم التعامل مع المجتمعات المحلية في السياحة: "عندما نقول كلمة (استدامة) سنفكر في تأثير أفعالنا وسلوكياتنا الحالية على الطبيعة بعد مدة زمنية طويلة ولنقل ألف عام، فإذا قمنا بسلوكيات تستديم الطبيعة كما هي بدون تدخل الإنسان فيها ماذا يكون التأثير؟

وهنا نواجه مشكلتين، شرحهمم بشكل مبسط: "العالم يواجه مشكلتين، أولهما أن الطبيعة غير مستدامة، فنشتكي حاليًا من أن مثلًا بحلول عام 2050 ستنتحر الطبيعة من حولنا بسبب سلوك الإنسان ومشاكل التلوث البيئي والمائي والهوائي، أما المشكلة الثانية تتمثل في نزوح المجتمعات من الريف إلى مدن غير مستدامة وكان السبب من خلق هذه المدن هو سبب صناعي بحت، كانت الفكرة منه كيف نبني مدن لتلبية الحاجة الصناعية لحياتنا، فترك شبابنا الريف أملًا في البحث عن فرص أفضل في المدينة، لكن ما حدث هو خلق وظائف غير نافعة بالمدن على حساب ترك الأراضي الزراعية التي تلبي 80% من احتياجاتنا كبشر، الفكرة الأساسية في المجتمعات المحلية هي الأراضي؛ فهي المسؤولة عن الطبيعة، والمزارعين بها هم آخر خط دفاع لنا في الطبيعة بالإضافة إلى أنهم مسؤولين عن الطبيعة حولهم من غابات وحيوانات، ولا يستطيع أحد الاعتناء بهم بقدر ما يعرف سكان المجتمع المحلي ذاتهم".

كيف تستفيد من المغامرات المحلية؟ أو بماذا يعود عليك إذا كانت رحلتك السياحية متواصلة مع المجتمع المحلي؟ ربما تكون تلك الأسئلة هي أول ما يتبادر لذهن السائح، وهنا يجيب هنزو: " بطبيعتنا كبشر نحب أن نشعر أن هناك غاية أو هدف لما نفعله، ونشعر بأن هناك تأثير لحياتنا على ما حولنا، لكن مشكلتنا في أثناء ما نعيش حياتنا البسيطة اليومية في المدن؛واتباع بروتين الذهاب للعمل ومقابلة أشخاص نعرفهم فلا نكتشف أو نلمس تأثير سلوكنا على البيئة المحيطة بنا، بل بالعكس نشعر بأننا عاجزون عن المساعدة في قضايا كبيرة، لكن في رحلات السياحة مع المجتمعات المحلية تشعر بأن لك تأثير على البيئة والطبيعة من حولك، فتتواصل مع شخص في مجتمع محلي يعرف جيدًا أهدافه وخططه، فتشجعه عليها وتساعده على ما يقوم به في المجتمع المحلي، فتشعر تلقائيًا بأن لك تأثير على ما حولك.

توسيع الأفق أو توسيع القدرات مهم، ففي دورة حياتك اليومية التي اعتدت عليها لا تستطيع الشعور بذلك، لكن باختبار السفر والتواصل مع بيئة مختلفة من حولك، تستكشف في ذاتك جوانب لم تراها من قبل، وتكتشف آفاق وقدرات لم تكن على علم بوجودها داخلك، فتسافر في رحلة داخل ذاتك.

أين يمكنك اكتشاف تلك المجتمعات؟ يجاوب هنزو: "حاليًا لدينا 17 وجهة؛ الوجهة قد تكون بلد وقد تكون منطقة، فلدينا حوالي 14 بلد يوجهات أكثر داخلهم، لكن كيف نختار (المجتمع المحلي) ونحدده كوجهة؟ المجتمع المحلي هو ما نجد أن السياحة المستدامة قادرة على التأثير به بشكل إيجابي؛ بحيث إذا ذهب إليه سياح مسؤولون ولديهم الشعور بإمكانية التأثير على المجتمع، فيكون بإستطاعتهم المساهمة في تنفي خطط السكان المحليين لمجتمعهم".

في رحلات الشركة، يعتمد السياح على السكان الأصليين ويشاركنوهم حياتهم بتفاصيلها بدون التغيير في أي منهم، فيكون الاتفاق على الإقامة في منازل السكان المحليين مع الأكل من طعامهم بدون أي تغيير، فيعيش السائح التجربة كاملة لأهل البلد.

نشهد تجربة رجوع الشخص إلى بيئته الأصلية والمشاركة في الاستدامة من خلال دائرة بسيطة، تتمثل في المرشدين السياحيين الذين يعملون مع رحلات سياحية مستدامة، خصوصًا في البلاد التي تمتلك البنية التحتية ولا تحتاج مساعدتنا لبنائها، فنجد المرشدين بعد رحلات مثلًا في عمان، يعودوا لبيئتهم الريفية ولأرضهم ويرزعوا بها، فنشهد العودة للبيئة المستدامة التي تحدثنا عنها في البداية، فنلمس على أرض الواقع تغييرًا جذريًا.

بعد معرفة المعلومات الأساسية، حبينا أن نسرد قصص من التجربة ذاتها، لنتعرف بها على أرض الواقع، فشاركنا هنزو بقصة يحب أن يسردها: " في إندونيسيا، كنا مقيمين في مجتمع يسمى (الداياك) وهم المجتمع الأصلي للأرض، ومازالوا متمسكين بها حتى بعد أن نزح أولادهم للمدن، فبدأت ثقافتهم تندثر، ومن موروثهم الثقافي الاعتماد على ما يسمونها بالبيوت الطويلة، والتي تشبه مجتمع متكامل مستقل بذاته، فكنا مقيمين مع مجموعة منهم، والجدير بالذكر أن المتبقي منهم ألفان شخص فقط، شيخة القبيلة كان اسمها "حياتي" واسقبلتنا عند وصولتا ورحبت بنا بطقوس ترحيب خاصة بهم، بالسيوف والخرز الذي مازلت محتفظ به في يدي حتى الآن، ففي أول يوم كانت رحلتنا إلى الغابة القريبة، فوجئنا بمدام حياتي بملابس رياضية مستعدة لتجميع الطعام من الغابة، وفي اليوم التالي كان ضمن برنامجنا سهرة على التراث التقليدي للقبيلة، فوجدناها حاضرة بملابس راقصة في الموروث الشعبي لديهم، أما اليوم الثالث كنا في جولة تاريخية لمعالم المكان فتوقعنا وجود عالم تاريخ يصطحبنا في الجولة، فوجئنا بأنها أيضًا مدام حياتي، مستعدة بكل ما تريد معرفته تاريخيًا عن المكان والقبيلة وثقافاتهم وموروثهم.. كانت بنفسها تنقل لنا طبيعة المجتمع المحلي بمختلف أشكاله، سيدة واحدة تحمل على عاتقها مهمة التعريف بموروث المجتمع المحلي التي تنتمي له.