الذهب الأحمر.. مصدر جمال الملكة كليوبترا وحلم يداعب خيال الكثيرين
حقول بنفسجية اللون على امتداد النظر، زهورها ليست مخصصة لصنع الباقات ولا للحصول على مشروب ساخن، بل هي أقرب للذهب، لكنه موجود فوق سطح الأرض دون الحاجة للتنقيب أو استكشاف... نحن نتحدث هنا عن الزعفران الشهير بلقب الذهب الأحمر

"رغم أنها صغيرة الحجم ولكنها ملكة الزهور، وهي الذهب الأحمر القادر على إنقاذ اقتصاد الدول"، بهذه الكلمات وصفت الدكتورة رزان شعبان زهور الزعفران ذات اللون البنفسجي والرائحة الجميلة، مؤكدة أنها هذه النبتة قلبت حياتها بالكامل، وستقلب حياة كل من سيزرعها، لما ستحمله لهم من أموال، وتحمي في الوقت نفسه بيئتهم من استنزاف المياه الشحيحة.
كلام رزان لم يأت من فراغ، فهي دكتورة في الهندسة الزراعية مختصة بالزعفران، وعضو اللجنة الوزارية لإنتاج وإكثار الزعفران في سورية، ويمكن وصفها بأنها عرابة زراعة هذا النبات في الساحل السوري، ولها حكايتها الخاصة معه، والتي بدأت عام ۲۰۱۸، وكانت يومها تبحث عن موضوع لرسالة الدكتوراه، فاقتراح عليها زوجها فكرة الزعفران.

معلومات الدكتورة رزان كانت يومها عن الزعفران بسيطة جداً، وتقتصر على عنه نبات غالي الثمن، ويأتي من إيران، ولم تعرف حينها ما تملك هذه النبتة من أسرار، وأن تاريخها يرجع إلى ۳۰۰۰ سنة قبل المـيلاد، وأن موطنها الأصلي ليس فقط في إيران، بل في آسيا الصغرى ودول البحر المتوسـط، كما عرفت لاحقاً الدكتورة رزان أن صيت هذه النبتة وشهرته انتشرا في بقاع المعمورة، فاستخدمته الملكة كليوباترا للحصول على بشرة ذات بريق ذهبي، كما استُخدم في صبغ السترات الصوفية ومستحضرات التجميل، وخاصة أحمر الشفاه، ومزجه رهبان العصور الوسطى ببياض البيض ليحل محل أوراق الذهب في المخطوطات المضيئة، وأيضاً استخدمته الثريات في عصر النهضة الإيطالية لصبغ شعورهن، ووصل الزعفران إلى الجزيرة العربية، وكان العرب قبل الإسلام يستخدمونه (رجالاً ونساءً) للتعطر ولصبغ الملابس، والدليل أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن استخدامه، ويخبرنا أنس بن مالك رضي الله عنه: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يَتَزَعْفَرَ الرجلُ، كما ورد ذكر الزعفران مرة ثانية على لسان النبي حينما وصف بناء الجنة لأصحابه بالقول: لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وملاطها المسك، وترابها الزعفران.

هذه المعلومات التاريخية أذهلت رزان، لكن الأمر لم يقتصر هنا، فهي اكتشفت أنه نبات ذو سعر مرتفع جداً حتى أن وزنه يُحسب بالغرامات مثل الذهب تماماً، والسبب حاجته للكثير من العمل اليدوي، طبيعته الخاصة فهو يُزهر لفترة قصيرة جدًا من السنة، ولا يستفيد المزارع منه بالكامل، بل أن الحصول على كيلوغرام واحد منه، يتطلب عدد يتراوح من ۱٥۰,۰۰۰ إلى ۲۰۰,۰۰۰ زهرة، لكن النتيجة التي يحصل عليها المزارع في النهاية مغرية، فهذا الكيلو يتراوح سعره ما بين ألف إلى ۱٥۰۰ دولار.
وربما أجمل ما في هذه الزراعة أنها صديقة للبيئة كما تصفها الدكتورة رزان المقيمة في ريف طرطوس في سورية، وتقول: "إنها زراعة مستدامة فهي لا تتطلب الكثير من المياه وترفض السماد الكيمائي"، موضحة أنه بعد زراعة الزعفران يحتاج إلى السقاية مباشرة، ويتكرر الأمر بعد ۱٥ يوم فقط، ليعتمد بعد ذلك على الأمطار، وبالنسبة للتسميد، فهو يحتاج سماد عضوي مثل روث الأبقار أو الأغنام، وبالتالي يحل المشاكل التي تعاني منها أغلبية الدول عند الزراعة والمتمثلة بقلة المياه، وأضرار الأسمدة.
كل هذه المعطيات زادت من حماس الدكتورة رزان للبدء بدراسة الزعفران، ثم تحول الأمر إلى مشروع وهدف بالنسبة لها، فهي تقول دائماً: "هدفي أن تصبح سورية، مصدراً مهماً للزعفران على مستوى العالم، وأن تواجه أزماتها الاقتصادية بالزعفران، وتوفر فرص عمل مذهلة للسوريين".

وبالعودة لبداية تجربة الدكتورة رزان في عام ۲۰۱۸، فهي لم تحصل على الأبصال بسهولة، وبعد عناء اشترت كمية قليلة منه، فاضطرت لزراعتها وانتظار الحصاد كي تتكاثر لديها، وتتمكن من تنفيذ دراسة الدكتوراه، وتفاجأت من النتيجة التي حصلت عليها فالأبصال تضاعف عددها بشكل كبير، ونجحت في التكييف مع البيئة الساحلية رغم مخاوف الجميع من هذا الأمر، لأن الزعفران نبات يحب البرد.
وفسرت الدكتورة رزان سبب النجاح بالاعتناء الذي بذلته، واتباعها برنامجاً محدداً لمتابعة الزعفران، وشرحت أن الأزهار تظهر لمدة ۳ أسابيع فقط، ويتوجب على للفلاح خلال هذه الفترة التواجد قرب الحقل المزروع، حتى يتفقد الأرض بشكل يومي، فكلما ظهرت زهرة يجب قطفها قبل الساعة التاسعة صباحاً أي قبل اشتداد الشمس التي تكسر أحد أنواع المواد الفعالة داخل المياسم الحمراء، فتفقد أهميتها، وفي المرحلة الثانية، يبدأ فصل المياسم الثلاثة الموجودة داخل الزهرة، ثم تُجفف في مكان مظلم لمدة ثلاث أيام، وأخيراً تُنقل إلى وعاء زجاجي وتبقى في مكان مظلم أيضاً لمدة شهر، عندها تصبح جاهزة للاستخدام، وختمت الدكتورة رزان، بأن كل ۱٥۰ زهرة تحقق غراماً واحداً من الزعفران، ولهذا نال لقب الذهب الأحمر، فمياسمه تحتوي على مواد فعالة تدخل في تركيب أدوية سرطان الدم والجلد، وأدوية شبكية العين، وغيرها الكثير من الاستخدامات التي خلقت له أسواق كبيرة حول العالم.
التجربة الناجحة التي عاشتها الدكتورة دفعتها لتكرار زراعة الزعفران، وكذلك يفعل مئات الفلاحين حول العالم، والجميع يأمل بحصاد الذهب الأحمر، وبجمع أكبر قدر من الغرامات المعطرة.
الأكثر شعبية
عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.