لغة سامية على وشك الانقراض يتمسك بها أهلها.. ولكن؟
هناك لغة مهددة بالانقراض وهناك من يحاول أن يحافظ على استدامتها، وهذا ما عرفناه من الباحث في اللغة علي الشحري ومروان عامرالحجري.
لغة قديمة قدم التاريخ العربي، شأنها شأن كل اللغات العربية القديمة المعروفة باسم (السامية) المنسوبة إلى قبائل الحضارات، يتحدث بها قبائل الشحرة سكان ظفار الأصليون في جنوب سلطنة عمان، لغة من أصل العرب القديم بشريًا وإنسانيًا وحضاريًا، لم يكن لها شكل مكتوب، وقد وضعتُ لها رموزًا عند الكتابة باليد وألوان عند الطباعة من أجل تمييزها لمعرفة نطقها.
لغة مثل لغة الشحرية قديمة لهذا الحد ويتحدث بها فئة قليلة مقارنة بالتعداد العالمي للسكان، فهي في خطر زوال ولا أحد ينتبه، ولكن هناك دائمًا بارقة أمل وهناك من يحارب حتى لا تختفي ويختفي معها التاريخ والهوية المرتبطة بها.
فهناك مروان عامر الحجري أصوله من ولاية بدوية في سلطنة عمان، ليس متحدث للغة ولكنه عشقها من أهلها، يعمل موظف في وزارة التراث من خلال عمله في المتاحف يسافر إلى العديد من الثقافات ويقابل الكثير من الناس وهو جالس على كرسيه في المتحف، له ذكريات مع ظفار ومع لغتهم الشحرية فيقول "ظفار موجودة في وعي كل عماني فهي جنة على الأرض مربوطة بالخريف والسفر، أتذكر غابتها التي كنت لا أستطيع أن أحسب مداها، فهي غابة حقيقية بكل معنى الكلمة ومنفصلة عن جغرافيا عمان".
ويكمل "سبحان الله زمان وقت ما أزور ظفار أجده مجتمع غريب، مجتمع يتحدث باللغة العربية معي، ولكن عندما يريد أن يتحدث مع نفسه يذكر لغة أخرى لا نعرفها".
سرغريب ظل يبحث عنه مروان منذ الطفولة في هذا المجتمع الذي عرف أيضَا بكرمه الشديد، وبالصدفة عرض عليه زيارة عالم جليل لديه متحف يحتوي على كتب منها "لغة عاد " المقصود بها اللغة الشحرية وكتاب آخر يخص ظفار ونقوشها القديمة، عالم يصفه مروان عامر بـ"رجل ذو علم لا يلقي الكلمات جذافًا".
لفت نظره محاولات هذا الرجل في إحياء اللغة بعلمه وحديثه عن اللغة الشحرية، ولذلك قرر أن يعقد العديد من اللقاءات معه وينشئ صفحة خاصة للغة ومعلومات عنها مصدرها هذا الباحث، ويخبر الناس تراث اللغة وعن فن النانا ذلك الفن غير الموجود إلا في ظفار ولا يغنى إلا بهذه اللغة.
ذلك الرجل الذي كان سبب في إنشاء مروان الصفحة هو الباحث في اللغة الشحرية علي الشحري تحدثنا معه وعن مجهوداته في الحفاظ على اللغة، فهو من مواليد عام ۱۹٤۷ م ينحدر من عائلة ريفية من ملاك الأبقار في ريف ظفار، وحتى أن وصل عمره ۱٤ سنة لم يكن يعرف أي لغة إلا اللغة الشحرية.
يقول عن نفسه "كنتُ ولا أزال قارئ عن التاريخ واللغات القديمة وشعرتُ بأن الغربيين ومن لف لفهم أجحفوا في حق هذه المنطقة العربية القديمة وأهلها وتاريخها بل وتآمروا على تاريخ العرب بصفة عامة لأهداف مقصودة".
فوجد تهديدات كثيرة طالت اللغة منها أسباب إقليمية وعدم اهتمام بعض الجهات المعنية بثقافات الأقليات أو المناطق البعيدة عن مراكز القرار، والفكرة المحلية العامة والخاصة بأن اللغة الشحرية لا مكان لها في العصر الحديث فلماذا نهتم بها، وكذلك اختفاء كبار السن الذين يجيدون الشحرية والتاريخ القديم.
وعليه شعر بخطر زوال موروث هذه المنطقة وقرر بأن لا يستسلم فيقول " قررتُ بأن أعمل بمفردي وبحسب الإمكانيات المتواضعة، بدأت البحث عن النقوش والكتابات القديمة ومعرفة هل لهذه اللغة كتابة وأبجدية قديمة مثل بقية الحضارات العربية العادية السامية القديمة أم لا، بحثت ووجدتُ لظفار بيئة من الكتابات القديمة المتنوعة، وباعتراف كل العلماء، فقد أكدوا على إن كتابات ظفار هي كتابات خاصة باللغة الشحرية، عندها كان لزامًًا عليَ بأن أقوم بجمع اللغة الشحرية بقدر المستطاع قبل زوال كل الكبار في السن كون هذه الكتابات كتبت باللغة الشحرية الأصلية القديمة، ولذلك أنتجتُ الكتابين الذين تتحدثون عنها مثل كتاب لغة عاد وكذلك لدي (۸) كتب جديدة أنتظر من يستطيع طباعتها".
كما يحاول الباحث الجليل علي الشحري في البيت الحفاظ عليها بأن يتحدث مع أولاده باللغة الصحيحة برغم طغيان اللغة العربية والثقافة العربية وتأثير الشارع وعوامل التواصل الاجتماعي، وبعض جيل الشباب من الناطقين بها وحتى من غير العمانيين يحاولون الحفاظ أيضَا من خلال إنشاء معهد في ظفار لتدريسها.
باختصار شديد، ظفارولغتها موجودة في الوعي لكل العمانيين، وانغلاق المنطقة مدة من الزمن وعدم التعامل مع الآخرين زاد من خصوصيتها، تمسكهم باللغة كان يعني التمسك بالتاريخ والنقوش القديمة والفن والموروث الشعبي والهوية وتمسكهم بأنفسهم.
فسواء مجهودات مروان عامر من خلال نشر معلومات أو مجهودات الباحث والعالم علي الشحري فهم يحاولون أن يطبقوا مبدأ استدامة اللغة حتى تبقى اللغة خالية من التلوث اللغوي، أو ضمور عناصرها الحيوية، ومهددات الانقراض التي ذكرتها سابقًا ونضيف عليها سبب آخر وارد حدوثه وهو غضب الطبيعة ونزوح باقي أهلها المتمسكين باللغة بسبب التغيير المناخي، فأمنية ظفار أن تبقى اللغة آمنة من أي مكون دخيل.
الأكثر شعبية
عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.