اللي ماله أول ماله تالي: عن إحياء صناعة السفن التراثية في الكويت
تقرير عن صناعة السفن التراثية في الكويت، عرفنا من خلاله الكثير عن هذه المهنة العريقة وكيف يحاول البعض إحياء التراث من خلالها
إذا نظرت لشعار دولتها ستجده مرآة عن ماضيها وتراثها وحضارتها، وهو يحتوي على الصقر أحد رموز الدولة ورمز سفينة "البوم" أحد أهم أنواع، فالكويت هي البلد الذي ارتبطتت حياته في الماضي بالبحر، غوصًا على اللؤلؤ وسفرًا وتجارة وصيدًا للأسماك ونقلًا للماء وهذا ما أدى إلى اتجاههم لصناعة السفن أو الـ(القلافة) كما يطلق عليها.
فامتلكوا في هذا الجانب خبرات واسعة لتصبح هذه الصناعة من أقدم المهن في تاريخ الكويت، ربما تعود لقرون والأجيال تتوارثها، ولكن هذه الصناعة اندثرت لأسباب عدة، ومع أهميتها وكيفية تعبيرها عن تراث وماض عريق، كانت هناك محاولات لحفظ هذه المهنة في عقول الأجيال، سواء من خلال المهرجانات أو المتاحف العائمة أو رحلات غوص على متن أحدها أو من خلال مبادرات فردية.
فعلى سبيل المثال، قصة محمد فاضل القلاف وكنيته "أبو خليفة"، ابن الكويت وابن منطقة بنيد القار حاول أن يعيد إحياء التراث ولكن على طريقته الخاصة من خلال صناعة نماذج السفن التراثية وليس الأصلية التي تغوص في البحار، ليخلق ما يسمى بـ"استدامة التراث".
يقول عن بداية اهتمامه بهذه الصناعة العريقة "في الأساس أنا أنحدر من عائلة كلهم كانو يمتهنون مهنة صناعة السفن من مئات السنين، وفي الطفولة كنت أعيش في بيت الحمولة وهو بيت كبير يضم كل أفراد العائلة والدي وأعمامي، وبالرغم من انشغالهم بالوظائف الحكومية إلا أنهم حرصوا على العمل بالنجارة والأعمال الخشبية وكنت استمتع بمشاهدتهم، وأحيانًا كانوا يسمحون لي بالمساعدة بالرغم من صغر سني، وكنت أذهب معهم إلى ديوانية القلاليف حيث تضم صناع السفن وورش ونماذج لها".
وهناك كبر حبه أكثر حتى قرر أن يصبح قلاف، فعلى أنغام الراديو يجلس وهو يصنع النموذج الذي يستغرق منه ۳ إلى ٦ شهور، لينتهي في النهاية بنموذج يشبه السفن الحقيقية بالأجزاء والخطوات والقياسات النسبية، مع الاستغناء عن خطوة إدخال الفتائل القطنية بين ألواح السفينة، التي تستخدم لمنع تسرب المياه إليها وذلك لأنه نموذج ولن يستخدم في البحر.
أسباب اندثار الصناعة كانت عديدة فحسب كلام القلاف أصبح هناك ندرة صناعة السفن الحقيقية بعد ظهور النفط ووجود البواخر الحديدية والتي تعمل على المكائن، بالإضافة إلى ندرة الأخشاب وغلاءها ووفاة صناع السفن القدماء، فما هو موجود الآن ويعمل به محمد صناعة نماذج للسفن للحفاظ على هذه الحرفة التراثية، أو إصلاح السفن التراثية الحقيقية القديمة من مئات السنين لدى المتحف الوطني، وذلك بسبب تيقنه من وجوب تعليم الأجيال القادمة وإنعاش ذاكرتهم بأن يجدوا النماذج أمامهم دائمًا.
وللحديث أكثر عن تاريخ صناعة السفن في الكويت تحدثنا مع حامد السيار فنان وباحث في التراث البحري حاول نقل تاريخ وتراث وطنه البحري هو الأخر للأجيال المتعاقبة، يحكي لنا عن بداية اهتمامه بالتراث البحري فيقول "تتلمذت على يد والدي المهتم بالتراث بصفة عامة وعلى يد مجموعه من النواخذة (قادة السفن) من الرعيل الأول وكنت أشارك في رحلات إحياء ذكرى الغوص على اللؤلؤ، وتدرجت من بحار صغير إلى أن وصلت إلى مسمى(نوخذة) وتعلقت بهذا التراث حتى أصبحت أبحث في تفاصيله".
أما عن تاريخ الصناعة العريقة يقول "يرجع تأسيس صناعة السفن الكويتية إلى تاريخ نشأة الكويت واستقرار العتوب فيها وهي قبائل كانت موجودة في نجد وهاجرت أيام الفقر لشواطيء الخليج للاستقرار فيها ومنها بدأ البحث عن مصدر الرزق وهم بجانب البحر ولذلك بدأوا في صناعة السفن". ويكمل "في القرن التاسع عشر أصبحت هناك نقلة في صناعة السفن الكويتية نتيجة لازدهار التجارة والحاجة المتزايدة للنقل البحري، فقد تبنى صناع السفن الكويتيون صنع البغلة والبتيل والبوم (أنواع سفن) القادرتين على الوصول لموانئ تجارية بعيدة كالموجودة في سواحل الهند ولليمن، دون الحاجة إلى الاعتماد على ميناء مسقط كوسيط تجاري".
ومن أدوارها التاريخية المهمة يقول " انتصر أهل الكويت بها في معركة الرقة البحرية حيث تميز أهل الكويت بذكائهم ومعرفة الطرق البحرية في إدخال بني كعب لمنطقة ضحلة والتفرد بهم بسفن الكويت الصغيرة، كما استخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية ونقل المواد الغذائية إلى الخليج وإنقاذهم من المجاعة"
ومع كل هذا كانت صديقة للبيئة البحرية فحسبما قال حامد السيار اعتمد فيها على موارد الطبيعة من أخشاب ومشتقات وألياف الأشجار.
وفي النهاية هناك مثل شعبي عرفنا عليه حامد السيار يقول "اللي ماله أول ماله تالي"، مثل يوضح السبب الأساسي في السعي الذي تملكهم لإحياء التراث فمعنى المثل باختصار أن الإنسان الذي لا يملك ماضيًا لا يملك حاضرًا، والتراث هو عبارة عن فكر وإبداع ومجهود وإذا حاولنا جاهدين لمنع اندثاره بشكل كامل فإننا نطبق مفهوم الاستدامة، فالتراث ما هو إلا جسر بين الماضي وبين المستقبل المستدام.
الأكثر شعبية
عندما تجتمع خبرات أسلافنا القدماء مع المعرفة الحديثة .. نصبح شقفة من الطبيعة
إذا لم تشعر بالانتماء للأرض، عليك أن تشعر بالانتماء للناس .. فالمناخ مسألة إنسانية
عزبة الزبالين.. كيف يكون حي لجمع القمامة هو ذاته منبع للحفاظ على البيئة؟
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.