The Climate Tribe Logo
المقالات الرئيسيةجمعة ١١ أكتوبر ٢٠٢٤

غزلان الداما: سباق مع الزمن لإنقاذها من الانقراض

غزلان الداما بين الصحراء والتنمية: قصة توطين وإعادة إحياء

الظبي وهو ينتمي لمجموعة من الحيوانات الثديية ذوات الظلف والقرون المفرغة. وهي تنتمي لنفس الفصيلة الحيوانية مثل الماعز والثيران
تصوير عبدالله الحتاويالظبي وهو ينتمي لمجموعة من الحيوانات الثديية ذوات الظلف والقرون المفرغة. وهي تنتمي لنفس الفصيلة الحيوانية مثل الماعز والثيران تصوير عبدالله الحتاوي

كان عليّو، الصياد التشادي البري، يملك من المهارة ما يجعله يتعقب غزال الداما بدقة لا مثيل لها. لعقودٍ طويلة، كان يقتفي آثار تلك الغزلان الرشيقة في قلب الصحراء الكبرى، متسللاً عبر السهول بحثاً عن رزقه. كانت غزلان الداما، بمظهرها الجميل وأعدادها المتناقصة، هدفًا ثمينًا في عالم الصيد الجائر. لم يكن يدرك عليّو آنذاك أن أفعاله كانت تدفع هذه الكائنات نحو حافة الانقراض.

على مر السنين، ومع تصاعد التغيرات المناخية في شمال إفريقيا، لم تقتصر الكارثة على الصيد الجائر فحسب، بل بدأت الطبيعة نفسها تُحاصر الغزلان. ارتفعت درجات الحرارة، وجفت الموارد، وتقلصت مساحات الأراضي العشبية. وفي ظل هذه الأزمات المتفاقمة، تراجعت أعداد غزلان الداما إلى أقل من  ۳۰۰ غزال، مما جعلها على شفا الانقراض.

لغزلان الداما قرون منحنية إلى الوراء ومقوسة على شكل حرف "S" يتراوح طولها بين ۲٥ و۳٥ سنتيمترا 
تصوير حمد عبد الله الكلبانيلغزلان الداما قرون منحنية إلى الوراء ومقوسة على شكل حرف "S" يتراوح طولها بين ۲٥ و۳٥ سنتيمترا تصوير حمد عبد الله الكلباني

كان عليّو غافلاً عن حجم الكارثة البيئية التي كان شريكاً فيها، حتى جاء اليوم الذي تغيرت فيه حياته للأبد. في يومٍ من الأيام، بينما كان يتعقب غزالًا وحيدًا عبر الرمال الذهبية، ظهر فريق من حراس المحميات الطبيعية. كانوا هناك لإيقاف الصيادين أمثاله وحماية ما تبقى من تلك الغزلان الثمينة.

بدلاً من أن يُلقى القبض على عليّو ويُحاكم، عُرض عليه خيار آخر، خيار لا يتوقعه أي صياد: أن يستخدم مهاراته في الصيد لخدمة مشروع أكبر. مشروع إعادة توطين غزلان الداما في تشاد، وهو المشروع الدولي الذي بدأته هيئة البيئة – أبوظبي عام ۲۰۱۹ بالتعاون مع مؤسسات عالمية مثل صحارى كونزرفيشن، ومعهد سميثسونيان للمحافظة على الكائنات الحية، وجمعية علوم الحيوان في لندن، وكان المشروع فرصة لعليّو ليرى الحياة من منظور جديد.

بدأت فرق الحماية بالتعاون مع منظمات عالمية مثل صحارى كونزرفيشن ومعهد سميثسونيان للمحافظة على الكائنات الحية، ببرنامج طموح لإكثار غزلان الداما في الأسر، ثم نقلها إلى موائلها الطبيعية. تم تجهيز بعض الغزلان بأجهزة تتبع عبر الأقمار الصناعية لمراقبة تحركاتها، وكان عليّو جزءاً من الفريق المحلي المسؤول عن حمايتها.

غزال المها وهو جنس من الظباء الصحراوية التي تقطن شبه الجزيرة العربية وأجزاء مختلفة من قارة أفريقيا، بيضاء اللون وذات جسد متناسق وعينين كبيرتين جميلتين
تصوير عبد الله الحتاويغزال المها وهو جنس من الظباء الصحراوية التي تقطن شبه الجزيرة العربية وأجزاء مختلفة من قارة أفريقيا، بيضاء اللون وذات جسد متناسق وعينين كبيرتين جميلتين
تصوير عبد الله الحتاوي
غزال المها وهو جنس من الظباء الصحراوية التي تقطن شبه الجزيرة العربية وأجزاء مختلفة من قارة أفريقيا، بيضاء اللون وذات جسد متناسق وعينين كبيرتين جميلتين تصوير عبد الله الحتاوي

وهو المشروع الذي حكى عنه أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوُّع البيولوجي البري والبحري بالهيئة ليوضح أنه بدأ ببرنامج إكثار في الأسر، حيث نجح الفريق في الإمساك بمجموعة من الغزلان البرية في منطقة مانقا وأخرى في وادي ريم، وادي أخيم في جمهورية تشاد، ثمَّ نُقِلَت الغزلان إلى المسيجات الخاصة بالإكثار، ثم نُقِلَت غزلان الداما من مراكز الحفاظ على الحياة البرية في أبوظبي، التابعة لهيئة البيئة – أبوظبي، إلى جمهورية تشاد ليتمَّ إكثار هذه المجموعات.

وأشار الهاشمي إلى أنَّ غزلان الداما التي أطلقتها الهيئة تضمُّ مجموعتين؛ إحداهما برية والأخرى تمَّ إكثارها في الأسر، وجهزت ثلاثة منها بأجهزة تتبُّع عبر الأقمار الصناعية على أيدي فريق مشترَك من هيئة البيئة – أبوظبي، وصحارى كونزرفيشن، ومعهد سميثسونيان للمحافظة على الكائنات الحية، وجمعية علوم الحيوان في لندن، لمتابعة تحركاتها ومراقبة تأقلمها في المحمية التي تعدُّ موطناً لنحو ٥۰ رأساً من غزال الداما. وهذه هي المرة الأولى التي تُركَّب أطواق تتبُّع لغزلان الداما التي تمَّ تربيتها في الأسر، وتتمُّ إدارتها في وادي ريم - وادي أخيم للحياة البرية.

إذ تتيح أجهزة التتبع عبر الأقمار الصناعية، للعلماء مراقبة تحركاتها وجمع بيانات هامة حول معدلات التكاثر والبقاء. هذه البيانات تشكل الأساس لتحديد نجاح المشروع وتوفير معلومات دقيقة لتحسين استراتيجيات الحفاظ المستقبلية.

إحدى العوامل الأساسية التي تسهم في نجاح أو فشل هذا النوع من المشاريع هو كيفية تفاعل الأنواع المعاد توطينها مع الأنظمة البيئية المحلية. فهل يمكن لهذه الغزلان أن تعيش جنبًا إلى جنب مع الأنواع الأخرى في المنطقة دون أن تؤثر على التوازن البيئي؟ هذا السؤال كان في قلب الدراسات التي أجراها خبراء البيئة. والتي أكدت أن إعادة توطين الأنواع المهددة يمكن أن يؤدي إلى خلل بيئي إذا لم يتم التخطيط له بعناية. وذكرت أنه يجب أن يكون هناك مراقبة دقيقة للتأثير البيئي لتجنب أي صراعات محتملة بين الأنواع المختلفة على الموارد الغذائية والمائية.

أظهرت تجربة إعادة توطين المها الإفريقي (أبو حراب) في نفس المنطقة نجاحًا ملحوظًا. انطلقت هذه المبادرة في عام ۲۰۱٤، حيث تم إطلاق أول مجموعة في بيئتها الطبيعية بعد فترة من الإكثار في الأسر. اليوم، يصل عدد المها الإفريقي إلى أكثر من ٦۳۰ رأسًا في المحمية، مما يثبت أن إشراك المجتمع المحلي يمكن أن يكون عنصرًا حاسمًا في إنجاح مشاريع الحفاظ على الأنواع.

على بعد آلاف الكيلومترات من تشاد، تقدم الإمارات نموذجًا ناجحًا في إعادة توطين غزلان الداما في منطقة القدرة بإمارة أبو ظبي. بدأت هذه المبادرة في عام ۲۰۰۷بالتعاون مع مؤسسات دولية لضمان توفير بيئة ملائمة لهذه الغزلان. كانت الخطوة الأولى هي جلب مجموعة صغيرة من الغزلان وإطلاقها في محمية طبيعية تمتد على مساحة شاسعة من الأراضي الصحراوية. تم تجهيز الغزلان بأنظمة تتبع لتسجيل تحركاتها وضمان تكيفها مع البيئة الجديدة.

غانم مبارك الهاجري، مدير عام حديقة الحيوانات في العين، أكد أن الحفاظ على غزلان الداما يأتي ضمن رؤية الإمارات الريادية في مجال الحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض. ومن جهته، أشار مارك كريغ، مدير إدارة رعاية الحيوان في الحديقة، إلى أن التعاون مع الشركاء العالميين كان أساسيًا في مواجهة التحديات التي تواجه هذا النوع، وخاصة فيما يتعلق بالصيد الجائر وفقدان المواطن الطبيعية.

غزال الداما والذي يعرف أيضا بغزال المهر أو الأدرع وهو أحد أصناف الغزلان المهددة بالإنقراض
 تصوير حمد عبدالله الكلبانيغزال الداما والذي يعرف أيضا بغزال المهر أو الأدرع وهو أحد أصناف الغزلان المهددة بالإنقراض تصوير حمد عبدالله الكلباني

تعلّم عليّو في تلك المرحلة أن الغزال الذي كان يعتبره فريسة هو جزء أساسي من توازن بيئي أوسع. بدأ يراقب الغزلان، ليس لاصطيادها، بل لحمايتها من الصيادين الآخرين، وأصبح يستخدم مهاراته القديمة في الصيد لرصد التحركات ومراقبة سلوك الغزلان في المحمية. كان يعلم أن كل غزالٍ يحميه يمثل خطوة نحو استعادة الحياة الطبيعية التي كادت تختفي.

كانت هذه التجربة بمثابة إحياء للأمل، ليس فقط في حماية غزلان الداما التي وصلت أعدادها في المحميات المسيجة إلى 29 رأساً، بل أيضًا في تغيير عقول وقلوب الصيادين السابقين مثل عليّو.

أصبح عليّو رمزًا للتحول. قصة حياته ألهمت مجتمعه، حيث تم تعيين العديد من السكان المحليين كحراس بيئيين، وأُطلقت برامج توعية لزيادة فهمهم بأهمية الحفاظ على تلك الغزلان. ومع نجاح تجربة إعادة توطين غزلان الداما، أعيد الأمل في إمكانية إعادة التوازن البيئي للصحراء.

رغم التحديات المناخية التي ما زالت تواجه المنطقة، فإن قصة عليّو وغزلان الداما تُظهر أن بالإمكان تحقيق المستحيل. بين شجاعة المجتمعات المحلية والتعاون الدولي، وبين جهود الحفاظ واستخدام التقنيات الحديثة، يبقى الأمل قائماً في أن تستعيد غزلان الداما يوماً ما موطنها الأصلي في الصحراء الكبرى، لتظل رمزاً للصمود والبقاء.

قصة عليّو شاهداً على أن الطبيعة، برغم كل الصعوبات، يمكن أن تُشفى حينما تتضافر الجهود.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية

نعدكم أننا لن نعطي بريدكم الإلكتروني إلى أي طرف خارجي، كما يمكنكم إلغاء اشتراككم في أي وقت.

هل أعجبتك هذه المقالة؟
وقت القراءة٦ دقائق
    تفضيلات ملفات تعريف الارتباط

    نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربتكم. باستخدامكم لهذا الموقع، فإنكم توافقون على سياسة ملفات تعريف الارتباط