شغفه بالطبيعة بدأ من الأرض واخترق حدود الفضاء

ولد في قرية تحيط بها المزارع والجبال من الخلف والبحر من الأمام في المنطقة الشرقية لدولة الإماراتَّ، وعندما كبر طالما كان يعود للقرية ليقطن مع جدته وجده في الإجازات الصيفية، يذهب إلى مزرعتهم كل يوم مشيًا على الأقدام للاستكشاف النباتات ومراقبة سلوكها، ويلاحظ كيف تتأقلم مع البيئة المحيطة بها. تعلم من جده الكثير عن رعي الحيوانات والزراعة وكيف يقتات قوت يومه من الطبيعة، أحيانًا كان يقطف بعض النباتات البرية ويحضرها لجدته لتخبره عنها فلقد كانت ملمة بالطب الشعبي والأعشاب المحلية.

بعد كم الذكريات التي كونها الباحث البيئي الإماراتي سلطان عبدالله البلوشي، شعر بأنه لزام عليه أن يشبع هذا الفضول بالعلم والدراسة، فاختار تخصص العلوم البيئية، ولكنه لم يكتف بهذا فقط بل قرر مراقبة الطبيعة من الفضاء، درس نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد للجمع بين حب الطبيعة والتقنية الحديثة لفهم التحديات البيئية والتعامل معها.

بمعنى آخر إنه كان يراقب النباتات والطبيعة من الأرض من خلال السير على أقدامه وجمع عينات وتحليلها، ومن ثم يخترق حدود الأرض ويبدأ في حدود الفضاء ليراقبها من هناك من خلال إنتاج خارطة وصور عن طريق الأقمار الصناعية لفهم الأرض.

فيحكي لنا سلطان البلوشي في البداية عن رحلاته وسط الطبيعة على الأرض ويقول "أزور عادة المناطق الجبلية والأودية لأنها دائمًا ما تتميز بالنباتات العطرية الطبية والمزهرة النادرة، التي تختبئ في زوايا الجبال ولها قيمة ثقافية واجتماعية في بلادنا، من النباتات النادرة الجميلة التي وجدتها هي زهرة الأوركيد الجبلية، التي تعتبر الوحيدة من نوعها في منطقتنا، رؤيتها تنمو في بيئتنا القاسية كانت تجربة استثنائية زادت من احترامي للطبيعة وقدرتها على التكيف".

وتابع " طالما كنت أبحث عن نوع آخر نادر من النخيل القزمة تسمى (الغضف) والتي لاتنمو إلا في عمق المناطق الجبلية الجافة والأودية: وكانت سعادتي لا توصف عندما عثرت عليها ورأيتها على الواقع لأول مره، فقدت رصدت عدة مجموعات في مناطق متقاربة مختلفة".

وأثناء بحثه وجد قصصًا مذهلة لنباتات في سفوح الجبال منها "نبتة الجعدة” أو كما تُعرف بـ”الياعدة” التي تحمل لديه معنى خاصًا، لأنه نبات عطري طبي كانت جدته تستخدمه كثيرًا في علاج بعض الأعراض، وعندما وجده ذكره كلما كان يذهب إلى الجبال خلال مواسم الأزهار ليقطف منها لجدته.

أما عن اختراق حدود الأرض ومراقبتها من الفضاء يقول الباحث سلطان البلوشي عنها:" هي واحدة من أكثر التجارب إلهامًا في حياتي، باستخدام صور الأقمار الصناعية أستطيع رؤية كيف تتغير الأراضي مع الزمن، سواء بسبب النشاط البشري مثل التمدد العمراني والتطور أو العوامل الطبيعية مثل الجفاف والتصحر والفيضانات، فعندما سمعت لأول مرة عن نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد أدركت أنها أداة قوية ستسمح لي باكتشاف المزيد عن البيئة وفهمها ومراقبتها بشكل أعمق وأوسع".

ويكمل البلوشي "البرنامج الأكاديمي كان مميزًا، حيث ركز على استخدام أحدث التقنيات مثل صور الأقمار الاصطناعية في البحث البيئي، على سبيل المثال، يمكن عن طريق الأقمار الاصطناعية تحديد أماكن التجمعات المائية وقياس كميات المياه في السدود بعد هطول الأمطار، هذه البيانات توفر فهمًا أعمق لتوافر الغطاء النباتي وكمية المياه المتوفرة في المنطقة، هذا النوع من التحليل يسلط الضوء على أهمية الإدارة المستدامة للموارد المائية، كما يعطينا تصور شامل عن الغطاء النباتي لأي منطقة يراد مراقبتها ودارسة التغيرات في كثافة الغطاء النباتي على مر الزمن".

أما عن أبرز الصور التي التقطتها من الفضاء عن الأرض يقول الباحث والمؤثر والمحب للبيئة سلطان البلوشي يقول "من الصور الجميلة التي التقطتها من الفضاء كانت لمزارع القمح في منطقة مليحة التابعة للشارقة أثناء وبعد حرث واخضرار محصول القمح فنرى في الصور أقراصاً دائرية خضراء تظهر على بعد مئات الكيلومترات من سطح الأرض، هذه الصور يتم تحميلها من مواقع الأقمار الاصطناعية ويتم معالجتها عن طريق تطبيقات متخصصة في معالجة الصور والاستشعار عن بعد، وهذا يساعد بالحفاظ على هذه الموارد وإدارتها بذكاء".

سلطان البلوشي لم يكتفي بهذا فقط بل كان مؤثر في مجال البيئة من خلال إنتاج أول برنامج تلفزيوني للحياة الفطرية في المنطقة الشرقية للدولة، اسم البرنامج " أصدقاء البيئة "، وحصل على براءة اختراع لنظام ري مبتكر بالتنقيط يعمل على التوازن بين التكنولوجيا الزراعية والبيئة.

الطبيعة علمت سلطان البلوشي الصبر والقدرة على التكيف، من خلال مشاهدة النباتات المحلية التي تنمو في بيئات قاسية ألهمته في بساطتها وتعقيدها في الوقت ذاته، وكيف كل عنصر فيها متصل بآخر بشكل مذهل.

اختار أن يعيش بالقرب منها لإعطائه فرصة أكثر في مراقبة وفهم المنظومة البيئة وكيف تتأقلم الكائنات وتعيش بوئام في البيئة وكل ذلك من الأرض وصولًا للفضاء.