مبادرة أشبعته نفسيًا وأنقذ بها الكوكب
لقاء مع المهندس العراقي سنان الأوسي ليحدثنا عن مبادرته الشخصية التي حملت مسؤولية وذكريات

أثناء سيرك في الشوارع العراقية ستصادف تصاميم من طراز التراث العراقي، حيث الشرفات الخشبية المزخرفة هندسيًا وكل ركن فيها ينبض بحكايات لإرث، وعند وقوفك على عتبة المنزل ستستقبلك ألحان من أغنيات المقام العراقي، ومعها تستقبلك حديقة المنزل المزينة بالفوانيس والنباتات المزروعة في الأرض أو المتدلية من أوعية معلقة.
هذه كانت الحياة في البيوت العراقية وعلى رأسها الاهتمام بالحديقة في المنزل التي تعد من أحد المظاهر والعلامات الأساسية للبيوت هناك، فإذا أردت أن تبدع في شكل المنزل عليك أن تهتم في البداية بحديقته، وقبل أن تطأ قدم الزائر للبيت لا بد من أن يشم كل طيب ويرى كل جميل.

والمهندس العراقي سنان الأوسي عاش هذا واختبره أكثر منذ الصغر، عندما كان يذهب مع والده في أعمال التشجير الخاصة بالحزام الأخضر في المنطقة، التي كانت تمنع الأتربة وتنقي الجو، عبر زراعة الأشجار وكتابة تقارير تفيدهم في آلية العمل، فظلت الأشجار شيء طبيعي حوله.
وهذه الذكريات اكتسبت أهمية أكثر عندما كبر، فلم يصبح الأمر مجرد أشجار وأزهار جميلة تزين البيوت بل أصبح لها أهمية في حماية الكوكب.
وهذا أدركه المهندس العراقي سنان الأوسي عند سماعه للمرة الأولى خلال النشرة في التلفزيون عن ما يسمى بـ" ثاني أكسيد الكربون" و ما يسمى بـ"الاحتباس الحراري"، وما تنتجه المعامل والسيارات من غازات مضرة بالبيئة، وكانت كلها أشياء جديدة على مسامع الناس فيقول "كنا لا نصدق ما نسمعه حتى جاء الوقت الذي غرقنا فيه بدوامة الاحتباس الحراري وأصبحنا نعاني من قلة الغطاء النباتي".

وظلت فكرة الاحتباس الحراري وقلة الغطاء النباتي تلازم فكره ووجدانه، حتى قرر الأوسي بعد انتقاله للإمارات منذ ربع قرن أن يصنع مبادرته الشخصية التي تحقق له أشياء كثيرة نفسية ومعنوية وإنسانية ويحاول بها أن يسترجع الذكريات وفي نفس الوقت ينقذ الكوكب.
فيحكي عن المبادرة "أثناء تواجدي في بيتي في أبو ظبي بدأت في زراعة الشجيرات مقابل مكان البناية، ولكن من ۲۰۱۷ حتى الآن عندما استقريت بشارع راشد بن سعيد كانت هناك مساحة واسعة على يسار البناية وعلى يمين البناية غير مزروعة تقدر بحوالي٥۰۰ متر".
ولأن سنان لم تكن الأشجار بالنسبة له شيئًا عاديًا، فلم يهدأ بهذه المساحة الفارغة ولم يرض أن تظل بلا حل، ولأنه يدرك أن كل ثلاثة أشجار تنتج من الأوكسجين ما يكفي لقيادة مركبة واحدة في اليوم لمدة ٦ ساعات، وكون الناس تمشي بالحر والشمس فمن الأفضل أن يعمل على زراعة مظلة مستديمة من الأشجار على طول الشارع، فطلب من مهندس البلدية أن يزرعها كلها بديلًا عن تركها، وبعد موافقة البلدية باشر بمد أنابيب بلاستيكية للري والتنقيط، لتغطية مساحة زراعة الأشجار كاملة.
يقول الأوسي" فاخترت شجرة جوزة الهند لأن سعفتها أعرض وتعطي ظلالًا، زرعت ۱۰٥ شجرة من جوز الهند وبينهم زرعت ۱۰٤ من شجرة البلوميريا الموجودة في أبو ظبي بكثرة والمقاومة للأمراض" وهكذا تحقق حلم سنان.
سنان يعتبر النبتة مثل أولاده تكون ضعيفة في البداية وتكبر بالتدريج مع الوقت حتى تشد عودها، يمارس أحيانًا معها طقوس مثل طقوس الأضحية التي تتم فرحًا بمولود جديد، فعندما يزرع يعطي هو أيضَا للفقراء، ويطلب منهم الدعاء لوالده الذي نمى عنده هذا الحب، وبعيدًا عن أشجار الطريق فهو له حديقته الخاصة مزينة بالمصابيح التي تعتمد على الطاقة الشمسية والأجراس التي تعطي أصواتًا عندما تهب الريح عليها وتطرب سماع المارة وتم توشيح الأشجار بأشرطة العلم الإماراتي.

الأوسي يطمح بالعديد من المشاريع فيما يخص بالزراعة في الإمارات فيقول "تربة الإمارات رملية مختلفة عن تربة العراق الطينية، هذا جعلني أبحث وأعمل على تجارب وشاركت في مسابقة (تخيل أبو ظبي خلال الـ٥۰ سنة القادمة) بأحد الابتكارات التي تخص تحسين خواص تربة الإمارات، وطرقت أبواب مراكز الأبحاث الزراعية لدراسة إمكانية تطبيق إبتكاراتي".
بسبب مبادرة سنان الشخصية واهتمامه بالزراعة والنباتات، استقبله سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في قصر البحر في أبو ظبي، وشعر بتقدير مما أعطاه قوة وإيمان أكثر بمقولته " ما يضيع بوجهك شي يا الإمارات" وأكد بأنه مبدأ يعيش عليه أهل هذا البلد.
من المواقف الطريفة التي يحكي عنها سنان هو أن المارة تهيأ لهم أنه عامل في البلدية أثناء اهتمامه بالحديقة والأشجار يوميًا، ولكنهم لم يعرفوا أنه مهندس مدني وليس زراعيًا أخرج شغفه من حدود بيته وحديقته وقرر أن يعبر عنه في الشوارع.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.