The Climate Tribe Logo
مقابلةجمعة ١٤ مارس ٢٠٢٥

مبادرة أشبعته نفسيًا وأنقذ بها الكوكب

لقاء مع المهندس العراقي سنان الأوسي ليحدثنا عن مبادرته الشخصية التي حملت مسؤولية وذكريات

المهندس العراقي سنان الأوسي وهو وسط أشجاره وأزهاره ضمن مبادرته الشخصية في الإمارات
المصدر: ذا كلايمت ترايبالمهندس العراقي سنان الأوسي وهو وسط أشجاره وأزهاره ضمن مبادرته الشخصية في الإمارات المصدر: ذا كلايمت ترايب

أثناء سيرك في الشوارع العراقية ستصادف تصاميم من طراز التراث العراقي، حيث الشرفات الخشبية المزخرفة هندسيًا وكل ركن فيها ينبض بحكايات لإرث، وعند وقوفك على عتبة المنزل ستستقبلك ألحان من أغنيات المقام العراقي، ومعها تستقبلك حديقة المنزل المزينة بالفوانيس والنباتات المزروعة في الأرض أو المتدلية من أوعية معلقة.

هذه كانت الحياة في البيوت العراقية وعلى رأسها الاهتمام بالحديقة في المنزل التي تعد من أحد المظاهر والعلامات الأساسية للبيوت هناك، فإذا أردت أن تبدع في شكل المنزل عليك أن تهتم في البداية بحديقته، وقبل أن تطأ قدم الزائر للبيت لا بد  من أن يشم كل طيب ويرى كل جميل.   

سنان الأوسي وهو يهندم شجرته التي يعاملها مثل مولوده الصغير
المصدر: ذا كلايمت ترايبسنان الأوسي وهو يهندم شجرته التي يعاملها مثل مولوده الصغير المصدر: ذا كلايمت ترايب

والمهندس العراقي سنان الأوسي عاش هذا واختبره أكثر منذ الصغر، عندما كان يذهب مع والده في أعمال التشجير الخاصة بالحزام الأخضر في المنطقة، التي كانت تمنع الأتربة وتنقي الجو، عبر زراعة الأشجار وكتابة تقارير تفيدهم في آلية العمل، فظلت الأشجار شيء طبيعي حوله.

وهذه الذكريات اكتسبت أهمية أكثر عندما كبر، فلم يصبح الأمر مجرد أشجار وأزهار جميلة تزين البيوت بل أصبح لها أهمية في حماية الكوكب.

وهذا أدركه المهندس العراقي سنان الأوسي عند سماعه للمرة الأولى خلال النشرة في التلفزيون عن ما يسمى بـ" ثاني أكسيد الكربون"  و ما يسمى بـ"الاحتباس الحراري"، وما تنتجه المعامل والسيارات من غازات مضرة بالبيئة، وكانت كلها أشياء جديدة على مسامع الناس فيقول "كنا لا نصدق ما نسمعه حتى جاء الوقت الذي غرقنا فيه بدوامة الاحتباس الحراري وأصبحنا نعاني من قلة الغطاء النباتي".

يد الأوسي وسط الطين والزرع الذي تعلق به من أيام بيته في العراق
المصدر: ذا كلايمت ترايب يد الأوسي وسط الطين والزرع الذي تعلق به من أيام بيته في العراق المصدر: ذا كلايمت ترايب

وظلت فكرة الاحتباس الحراري وقلة الغطاء النباتي تلازم فكره ووجدانه، حتى قرر الأوسي بعد انتقاله للإمارات منذ ربع قرن أن يصنع مبادرته الشخصية التي تحقق له أشياء كثيرة نفسية ومعنوية وإنسانية ويحاول بها أن يسترجع الذكريات وفي نفس الوقت ينقذ الكوكب.

فيحكي عن المبادرة "أثناء تواجدي في بيتي في أبو ظبي بدأت في زراعة الشجيرات مقابل مكان البناية، ولكن من ۲۰۱۷ حتى الآن عندما استقريت بشارع راشد بن سعيد كانت هناك مساحة واسعة على يسار البناية وعلى يمين البناية غير مزروعة تقدر بحوالي٥۰۰ متر".

ولأن سنان لم تكن الأشجار بالنسبة له شيئًا عاديًا، فلم يهدأ بهذه المساحة الفارغة ولم يرض أن تظل بلا حل، ولأنه يدرك أن كل ثلاثة أشجار تنتج من الأوكسجين ما يكفي لقيادة مركبة واحدة في اليوم لمدة ٦ ساعات، وكون الناس تمشي بالحر والشمس فمن الأفضل أن يعمل على زراعة مظلة مستديمة من الأشجار على طول الشارع، فطلب من مهندس البلدية أن يزرعها كلها بديلًا عن تركها، وبعد موافقة البلدية باشر بمد أنابيب بلاستيكية للري والتنقيط، لتغطية مساحة زراعة الأشجار كاملة.

يقول الأوسي" فاخترت شجرة جوزة الهند لأن سعفتها أعرض وتعطي ظلالًا، زرعت ۱۰٥ شجرة من جوز الهند وبينهم زرعت ۱۰٤ من شجرة البلوميريا الموجودة في أبو ظبي بكثرة والمقاومة للأمراض" وهكذا تحقق حلم سنان.

سنان يعتبر النبتة مثل أولاده تكون ضعيفة في البداية وتكبر بالتدريج مع الوقت حتى تشد عودها، يمارس أحيانًا معها طقوس مثل طقوس الأضحية التي تتم فرحًا بمولود جديد، فعندما يزرع يعطي هو أيضَا للفقراء، ويطلب منهم الدعاء لوالده الذي نمى عنده هذا الحب، وبعيدًا عن أشجار الطريق فهو له حديقته الخاصة مزينة بالمصابيح التي تعتمد على الطاقة الشمسية والأجراس التي تعطي أصواتًا عندما تهب الريح عليها وتطرب سماع المارة وتم توشيح الأشجار بأشرطة العلم الإماراتي.

سنان الأوسي وسط حديقته بالإمارات المزينة بالمصابيح وأشرطة العلم الإماراتي
المصدر: ذا كلايمت ترايب سنان الأوسي وسط حديقته بالإمارات المزينة بالمصابيح وأشرطة العلم الإماراتي المصدر: ذا كلايمت ترايب

الأوسي يطمح بالعديد من المشاريع فيما يخص بالزراعة في الإمارات فيقول "تربة الإمارات رملية مختلفة عن تربة العراق الطينية، هذا جعلني أبحث وأعمل على تجارب وشاركت في مسابقة (تخيل أبو ظبي خلال الـ٥۰ سنة القادمة) بأحد الابتكارات التي تخص تحسين خواص تربة الإمارات، وطرقت أبواب مراكز الأبحاث الزراعية لدراسة إمكانية تطبيق إبتكاراتي".

بسبب مبادرة سنان الشخصية واهتمامه بالزراعة والنباتات، استقبله سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في قصر البحر في أبو ظبي، وشعر بتقدير مما أعطاه  قوة وإيمان أكثر بمقولته " ما يضيع بوجهك شي يا الإمارات"  وأكد بأنه مبدأ يعيش عليه أهل هذا البلد.

من المواقف الطريفة التي يحكي عنها سنان هو أن المارة تهيأ لهم أنه عامل في البلدية أثناء اهتمامه بالحديقة والأشجار يوميًا، ولكنهم لم يعرفوا أنه  مهندس مدني وليس زراعيًا أخرج شغفه من حدود بيته وحديقته وقرر أن يعبر عنه في الشوارع.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية

نعدكم أننا لن نعطي بريدكم الإلكتروني إلى أي طرف خارجي، كما يمكنكم إلغاء اشتراككم في أي وقت.

هل أعجبتك هذه المقالة؟
وقت القراءة٤ دقائق
    تفضيلات ملفات تعريف الارتباط

    نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربتكم. باستخدامكم لهذا الموقع، فإنكم توافقون على سياسة ملفات تعريف الارتباط