رحلة غرس الأمل والشجر
مبادرة 'شجرها' لعمر الديب: من شجرة أمام المنزل إلى مليون شجرة لمستقبل أفضل
كان المشهد الذي شاهده المهندس عمر الديب من نافذة منزله في مدينة العبور المصرية غير اعتيادي، ولكنه كان ملهماً. رأى مجموعة من الناس يتناولون الطعام من شجرة مثمرة مزروعة أمام منزله. لم تكن تلك الشجرة من زرعه، بل كانت من عمل أحد جيرانه. تلك اللحظة أثارت في نفسه تساؤلاً بسيطاً لكنه كان بداية لفكرة عظيمة: "لماذا لا نقوم بزراعة المزيد من الأشجار المثمرة في الشوارع؟"
لم يدم التفكير طويلاً؛ خلال أربعة أيام فقط، اكتملت الفكرة واختار لها عمر اسم "شجرها"، وفي ۱۷ أبريل ۲۰۱٦، انطلقت المبادرة بشكل رسمي.
كان هدف عمر الشخصي بسيطًا لكنه عميق الأثر: أراد أن يتمكن الناس من الأكل من الأشجار المثمرة المزروعة في الشوارع، وأن يساهم ذلك في الحد من الجوع والفقر. وكإنسان مهتم بالقضايا البيئية، خصوصًا التغير المناخي، أدرك عمر أن للتشجير دوراً مهماً في تحسين البيئة والمساهمة في مواجهة التغيرات المناخية. فهو يعلم أن التغير المناخي له أسباب معقدة، ولكن التشجير يمكن أن يكون جزءًا من الحلول العملية.
تحدث عمر بإسهاب عن الأهداف الأساسية لمبادرة "شجرها"، وهي نشر ثقافة زراعة الأشجار المثمرة والخشبية في الشوارع والأماكن العامة، وتعزيز زراعة الشرفات والأسطح بالنباتات الطبية والعطرية والخضروات المفيدة. كل هذا يهدف إلى رفع الوعي البيئي لدى المجتمع لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز أهداف التنمية المستدامة.
ولكن لم تكن البداية سهلة. عند محاولة عمر البدء بزراعة الأشجار في الشوارع، واجه العديد من العقبات القانونية والإدارية. فبعض الجهات أخبرته أن هناك قوانين تمنع زراعة الأشجار المثمرة في الشوارع، ولكن بعد بحث طويل ومفصل، تبين أن هذه القوانين غير موجودة أساسًا. لم تثبط هذه العقبات من عزيمة عمر، بل زادته إصرارًا على تحقيق فكرته على أرض الواقع.
بدأت المبادرة بالنمو تدريجياً، وانضم إليها المتطوعون الذين شاركوا في زراعة الأشجار في أماكن مختلفة. ومع مرور الوقت، أصبحت "شجرها" قوة دافعة في تغيير ثقافة الناس تجاه زراعة الأشجار المثمرة في الشوارع، وكذلك في تغيير مواقف الجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية والصحية ودور العبادة.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت المبادرة جزءًا من حملة "100 مليون شجرة" الرئاسية، حيث تعاونوا معها لتشجيع زراعة الأشجار المثمرة والخشبية. ويقول عمر أن مبادرة "شجرها" كان لها دور كبير في إدراج هذه الأنواع من الأشجار في المبادرة الرئاسية.
لكن ما يميز "شجرها" حقًا هو استمرارية رعاية الأشجار المزروعة. فالمتطوعون يذهبون إلى أماكن مختلفة مثل الإسكان الاجتماعي، والمستشفيات، والمساجد، وينظمون فعاليات توعوية لشرح أهمية زراعة الأشجار وطرق رعايتها. المبادرة تعمل على نشر الوعي بين سكان المناطق التي تزرع فيها الأشجار، حتى يتمكن السكان من متابعة الأشجار بأنفسهم، وإرسال تقارير دورية للمبادرة عن حالتها.
كما قامت المبادرة بإدخال عنصر التعليم في المدارس، حيث يتم تنظيم ورش عمل للطلاب حول أهمية زراعة الأشجار وكيفية رعايتها. ويقول عمر: "نحن نريد أن يشعر الأطفال والطلاب بأن هذه الأشجار هي جزء من بيئتهم، وأن عليهم حمايتها والاهتمام بها." المبادرة تختار الأشجار التي تتناسب مع كل مكان، مثل أشجار الزيتون والتين والمورينجا التي لا تحتاج إلى الكثير من الماء وتستطيع التكيف مع الظروف المحلية.
يشرح عمر أن المبادرة تعمل على اختيار الأشجار بعناية لضمان زراعتها في الأماكن المناسبة. فإذا كانت المنطقة معرضة للتلوث العالي، يفضل زراعة الأشجار الخشبية التي تنتج الأخشاب بدلاً من أشجار الزينة، لأنها قادرة على امتصاص الملوثات بشكل أكبر وتقديم فوائد اقتصادية.
ومنذ تأسيس المبادرة، شارك آلاف المتطوعين من جميع الأعمار والخلفيات، بما في ذلك الأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. يعبر عمر بفخر قائلاً: "كل فئات المجتمع تشارك معنا في هذا العمل النبيل."
ومع مرور السنوات، تطورت المبادرة ونمت لتشمل التعاون مع مجموعة متنوعة من الجهات، من المدارس والجامعات إلى المؤسسات الحكومية والشركات العالمية. ويمضي عمر بالقول: "لدينا خطط مستقبلية لزراعة مليون شجرة مثمرة بحلول عام ۲۰۳۰، وتأسيس ۲۷ مجمعًا بيئيًا على مستوى الجمهورية تشمل أنشطة بيئية متعددة مثل الطاقات الجديدة والمتجددة، وإعادة التدوير، والزراعة بدون تربة."
وفي النهاية، يوضح عمر أن الهدف الأساسي للمبادرة هو نشر الوعي البيئي وتعزيز الزراعة الحضرية في مصر وأفريقيا. ويؤكد على أن إفريقيا بحاجة ماسة لزراعة المزيد من الأشجار، خاصة في الدول التي تتسم ببيئة صحراوية شاسعة مثل مصر وليبيا. فهذه الدول تعاني من تأثيرات التغير المناخي بشكل أكبر رغم مساهمتها القليلة في الانبعاثات الكربونية مقارنة بالدول الكبرى.
نجحت المبادرة في تحقيق العديد من الإنجازات على أرض الواقع، مثل زراعة أكثر من ۳٥۰ ألف شجرة مثمرة في ۱۷ محافظة مصرية وبعض الدول العربية، وزراعة أكثر من ۱۰ آلاف شرفة وسطح بالنباتات المفيدة. كما تمكنت المبادرة من الحصول على العديد من الجوائز والتكريمات، بما في ذلك المركز الأول في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية.
بهذا الشغف والإصرار، تواصل "شجرها" نشر الثقافة البيئية وتعزيز الاستدامة في المجتمع المصري والعربي. "شجرها" ليست مجرد مبادرة للتشجير، بل هي حركة بيئية تهدف إلى تغيير نظرة المجتمع تجاه البيئة والمساهمة في التنمية المستدامة. من خلال جهود المتطوعين ودعم المجتمع، تسعى "شجرها" إلى خلق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
المهندس عمر الديب ومبادرته "شجرها" هم رمز للأمل والعمل البيئي في مصر وأفريقيا. برسالته الواضحة وعزيمته الصلبة، يُظهر لنا أن التغيير يبدأ بفكرة صغيرة، ولكن تأثيرها يمكن أن يكون عظيمًا، إذا ما قوبلت بالإصرار والعمل الجاد.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.