The Climate Tribe Logo
مقابلةجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٤

مغامرة خضراء في صحراء السعودية

مبادرة السعودية الخضراء: شاب يلهم الأجيال

مدير منتزه ثادق الوطني، عبد الله إبراهيم العيسى، يتفقد الشتلات في مشتل للأشجار بمنطقة صحراوية في وسط السعودية، ضمن جهود إعادة التشجير لمكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف
تصوير: دانكين مورمدير منتزه ثادق الوطني، عبد الله إبراهيم العيسى، يتفقد الشتلات في مشتل للأشجار بمنطقة صحراوية في وسط السعودية، ضمن جهود إعادة التشجير لمكافحة تدهور الأراضي والتصحر والجفاف تصوير: دانكين مور

في عمق الصحراء السعودية، نشأ الشاب السعودي علي وسط بيئة عاشقة للطبيعة، يرى أهله وجيرانه يكافحون تحديات قاسية بسبب التصحر الذي طال أراضيهم وجعل حياتهم أصعب. لطالما أثرت في عليّ قصص جده عن الزمان الذي كانت فيه الأرض خضراء وخصبة، حينما كانت الزراعة تزدهر في الأودية، وحينما كانت الطبيعة مصدر الرزق والاستقرار للعشيرة. ومع مرور السنين، لاحظ علي كيف تقلصت هذه الأراضي، وكيف أصبحت الزراعة مهددة، ليصبح التصحر شبحاً يطارد الأحلام. ومع ازدياد صعوبة الحياة في الصحراء، شعر علي بالقلق المتزايد على بيئته، وبدأ يتساءل عن كيفية إيقاف هذا الخطر المتزايد.

حين سمع علي عن "مبادرة السعودية الخضراء"، وجد فيها فرصة ليكون جزءًا من الحل. تطوع في هذا المشروع الطموح، حيث وجد نفسه يعمل جنبًا إلى جنب مع مئات المتطوعين الآخرين في زراعة الأشجار والنباتات المحلية في مناطق متفرقة من المملكة. وخلال عمله، أدرك أهمية المبادرة ليس فقط في إعادة الحياة للأراضي المتدهورة، بل أيضًا في إحياء الأمل للمجتمعات التي طالما عانت من آثار التصحر.

قام أفراد المجتمع والمحافظون على البيئة بزراعة أكثر من مليون شجيرة في منتزه ثادق الوطني لاستعادة الأراضي المتدهورة ومواجهة الجفاف والتصحر
تصوير: دانكين مورقام أفراد المجتمع والمحافظون على البيئة بزراعة أكثر من مليون شجيرة في منتزه ثادق الوطني لاستعادة الأراضي المتدهورة ومواجهة الجفاف والتصحر تصوير: دانكين مور

مع تطور مسيرته في المشروع، بات علي أكثر وعيًا بضرورة التكاتف العربي لمواجهة التصحر في المنطقة بأسرها. فالتصحر لا يؤثر فقط على بيئة السعودية، بل يمتد تهديده ليشمل معظم المناطق العربية، حيث يهدد الزراعة ويقلص المساحات الخضراء في الشرق الأوسط. وفي أحد الأيام، حين شارك في اجتماع مع خبراء ومختصين من مختلف أنحاء العالم، شعر علي بالفخر وهو يرى بلاده تساهم في قضية بيئية عالمية، وأدرك أن هذه التجربة ستلهمه لدفع الناس في المنطقة إلى الإسهام في إنقاذ بيئتهم.

وعلى الرغم من شغف الشباب وأملهم، تبقى مهمة التصدي للتصحر مليئة بالتحديات، وهنا تظهر ضرورة تبني تقنيات مبتكرة لتوفير المياه وزراعة النباتات التي تتأقلم مع طبيعة المملكة الصحراوية. وإلى زراعة أشجار تتحمل الظروف القاسية مثل زراعة أشجار المانغروف على السواحل باستخدام مياه البحر، مما يُعَدُّ خطوة رائدة لمواجهة ظروف بيئية قاسية.

مدير منتزه ثادق الوطني، عبد الله إبراهيم العيسى، وأعضاء آخرون من المحافظين على البيئة في وسط السعودية، يفتخرون بجهود التشجير التي حولت هذه المنطقة الصحراوية إلى وجهة طبيعية مرغوبة
 تصوير: دانكين مورمدير منتزه ثادق الوطني، عبد الله إبراهيم العيسى، وأعضاء آخرون من المحافظين على البيئة في وسط السعودية، يفتخرون بجهود التشجير التي حولت هذه المنطقة الصحراوية إلى وجهة طبيعية مرغوبة تصوير: دانكين مور

من جانبه، أوضح الدكتور خالد عبد القادر، الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، أن الذكاء الاصطناعي يساعد بشكل كبير في توجيه الجهود إلى المناطق الأكثر تضررًا. وأكد عبد القادر أن المبادرة تسعى لجعل الزراعة مستدامة عبر تقليل استهلاك المياه والاستفادة من الخبرات المحلية والمتطوعين، مما يساهم في تعزيز قيمة هذا المشروع، وتهدف البلاد لزراعة ٤۰۰ مليون شجرة بحلول عام ۲۰۳۰.

لم تقتصر المبادرة على الجهود المحلية، فقد حازت على تقدير دولي. أثنت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، على جهود المملكة، مشيرة إلى أنها استطاعت جعل قضية التصحر جزءًا من الأجندة العالمية، بما يعزز من تأثيرها على المستوى الدولي ويجعلها نموذجًا للتعاون البيئي. وأكدت أن استضافة مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP۱٦) في الرياض عام ۲۰۲٤ سيسهم في دفع المملكة نحو قيادة الجهود الدولية لمواجهة التصحر.

تنمو الشتلات في مشتل للأشجار داخل منتزه ثادق الوطني في وسط السعودية، حيث تضمنت جهود إعادة التشجير زراعة ۲٥۰۰۰۰ شجرة
تصوير: دانكين مورتنمو الشتلات في مشتل للأشجار داخل منتزه ثادق الوطني في وسط السعودية، حيث تضمنت جهود إعادة التشجير زراعة ۲٥۰۰۰۰ شجرة تصوير: دانكين مور

بفضل المشاركة الفعالة للشباب السعودي وشغفهم بإحياء الطبيعة، تم زرع أكثر من ٤۳ مليون شجرة ضمن "مبادرة السعودية الخضراء" حتى الآن، إلى جانب استصلاح ما يزيد عن ۹٤,۰۰۰ هكتار من الأراضي المتدهورة، مما يُظهر مدى التزام المملكة بتحقيق التحول البيئي. وشكلت هذه المبادرات انعكاسًا لأهمية التعاون بين الأجيال والقطاعات المختلفة، بدءًا من المتطوعين الشباب وصولاً إلى الخبراء وصناع القرار.

ومع كل شجرة تُزرع، يشعر علي بالفخر والرضا، إذ يدرك أن جهوده تُضاف إلى جهود جيل كامل يحمل في قلبه الأمل بإعادة إحياء الصحراء، ليس فقط في المملكة، بل في العالم العربي بأسره.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية

نعدكم أننا لن نعطي بريدكم الإلكتروني إلى أي طرف خارجي، كما يمكنكم إلغاء اشتراككم في أي وقت.

هل أعجبتك هذه المقالة؟
وقت القراءة٣ دقائق
    تفضيلات ملفات تعريف الارتباط

    نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربتكم. باستخدامكم لهذا الموقع، فإنكم توافقون على سياسة ملفات تعريف الارتباط