The Climate Tribe Logo
  • /
  • اقرأ/
  • مقابلة/
  • قدره أن يوثق قبل أن تُمحى الأشياء وتنتهي الذكريات
مقابلةجمعة ٠٣ مايو ٢٠٢٤

قدره أن يوثق قبل أن تُمحى الأشياء وتنتهي الذكريات

مصور كتب له القدر أن يوثق درنة الليبية قبل وبعد الكارثة.

من مدينة تدب فيها الحياة لمنطقة أشباح 
تصوير: محمد علوانيمن مدينة تدب فيها الحياة لمنطقة أشباح تصوير: محمد علواني

منذ نعومة أظافره وهو يعشق التوثيق وتصوير ووجوه الناس، كان يحمل كاميرا في المرحلة الابتدائية يصور بها أهله وأصحابه، أخذ التوثيق فترة كهواية وبعد دراسته لإدارة الأعمال بدأ في طريق الاحتراف، أصوله من مدينة درنة الليبية، ولكن في ٢٠١١ انتقل رسميًا للعيش فيها، أسس جمعية بني غازي للتصوير واكتسب شهرة وحب من الناس حتى أقنعوه لإنشاء استوديو تصوير في المدينة في ٢٠٢١ اسمه بيكس لأنهم كانوا يريدونه هو فقط ليصورهم ... يريدون المصور الليبي محمد العلواني.

في شهر رمضان لعام ٢٠٢٣  قرر محمد العلواني أن يفعل شيء لم يفعله أي مصور من قبل في المنطقة، قرر أن يأخذ رحلة يومية طوال شهر رمضان كل يوم في منطقة معينة في المدينة ليصور وجوه الناس المارين في الشوارع ويصور ضحكاتهم ولحظات سعادتهم، صور من يصنع الخبز والبائعين والأطفال والشباب وبهجة الشوارع بفرحة رمضان، وثق للكثير منهم بورتريهات خاصة  وكل هذا بشكل مجاني.. ولكن يشاء القدر بفعل التغيير المناخي أن تتحول كل هذه الصور لغصة تحرق في القلب حلت بعدها الكارثة.

درنة واخر لحظات سعيدة قبل الكارثة
تصوير: محمد علوانيدرنة واخر لحظات سعيدة قبل الكارثة تصوير: محمد علواني

ففي سبتمبر ٢٠٢٣ يحكي لنا العلواني عن قنبلة هيروشيما التي سقطت على المدينة، إعصار دانيال الذي قضى على الأخضر واليابس وتسبب في موت الآلاف وفقد أضعافهم فيصف لنا "وفتحنا السماء بماء منهمر .. هذا التعبير الأدق لما حدث معنا..  لم أكن قادرًا على التوثيق في البداية، ولم أرد النزول من البيت خوفًا مما سوف أراه، ولكن عندما وجدت أن العالم لا يعرف ماذا يحدث في درنة بسبب انقطاع الاتصالات، قررت أن ألمم  عدتي وأذهب لأوثق،  وعندما وصلت لمركز الكارثة انهرت وبدأت في الصراخ والبكاء.. تركت الكاميرا  وبدأت في التخبيط على رأسي من حجم وهول ما رأيته..  رأيت أحياء وبيوتًا وأشخاصًا انمحت تمامًا”.

انمحي البيوت والذكريات 
تصوير: محمد علوانيانمحي البيوت والذكريات تصوير: محمد علواني

بعد الكارثة شعر علواني بالندم بسبب تصويره لأهالي درنة قبل الكارثة فظل أثناء حديثه يتنهد ويتحسر ويقول “ استمريت فترة أقول ياليتني ما صورتهم.. من ١٩٩٦وأنا أصور لماذا هذه المرة؟ وظليت في لوم وعتاب نفسي وتخيلت أن الأهالي سترى الصور وتقول الله يسامح العلواني وثق في أخر رمضان سعيد في تاريخ درنة .. آخر رمضان كما يعرفه أهل درنة” .  
ليأتي شخص ويعلق على صورة ابنته التي نشرها بعد الكارثة ضمن ملف درنة ما قبل الكارثة فيقول "اسمها جوري عبد الحميد الشيخ.. طفلة شديدة الجمال صورتها في رابع يوم رمضان في بحيرة البط، دخل والدها على الصورة وتفاجئت من تعليقه وهو يقول لي الحمدلله أنك وثقت سعادتها في هذا اليوم" فتحول الندم عند علواني إلى الحمد أيضَا وقال "الحمدلله إنني وثقت  ضحكاتها قبل أن تزول".

رزان التي يري فيها الناس جرح درنة بالكامل 
تصوير: محمد علوانيرزان التي يري فيها الناس جرح درنة بالكامل 
تصوير: محمد علواني
رزان التي يري فيها الناس جرح درنة بالكامل تصوير: محمد علواني

"أغلب الناس في درنة يعرفون بعضهم" هذه الميزة التي كسرت ظهورهم بعد الفيضان وتحولت لنقمة، فيقول علواني وهو يتنهد" أكتر من ٥٠٪؜  من الناس الذين توفوا أنا أعرفهم، معظم الوجوه التي وثقتها  وماتت كنت أعرفها، الطفلة جوري عبد الحميد الشيخ، التي يرى فيها الناس الأن جرح درنة بالكامل بعد ما جعلها القدر تذهب لبيت جدتها في هذا اليوم لتموت هي  وأختها وأمها ويبقى والدهم، الطفلة رزان صورتها يوم خمسة رمضان جنب شارع البحر .. ماتت هي والعائلة ونجا والدها، أصدقائي منذر ومحمود بعد الإعصار ظللت  اتهرب من السؤال عليهم ولا أعرف ما إذا كانوا بخير أم لا على أمل أن يكونوا أحياء، الصادق بوجلدين الشخصية المرحة محبوبة الملقب بملك السيلفي هو وحيه بالكامل أصبحوا تراب، وعم حسين  بائع الخضرة صاحب الابتسامة الجميلة، وناصر بوذهب أو أبو رجعة على اسم قطته المفضلة.. ويقال أن عمارته المياه شالتها شيل، المبنى ارتفع ولف وثم طاح واختفى.."

عم عبسي صاحب الابتسامة والروح الحلوة
تصوير: محمد علوانيعم عبسي صاحب الابتسامة والروح الحلوة
تصوير: محمد علواني
عم عبسي صاحب الابتسامة والروح الحلوة تصوير: محمد علواني

كل هذه شخصيات حقيقية وثقها محمد العلواني بعدسته قبل الإعصار وبسببهم وبعض الفيضان لم يعد يقدر  يتحمل نفسيًا أن يعيش في المدينة لأنها  أصبحت مدينة أشباح بالنسبة له " عمري ما عيدت بعيدًا عن أهلي ولكن هذه السنة استخدمت حججًا حتى لا أقضي العيد في درنة، كيف أعيد بدون أهل المكان؟ صعب أن تعيش في مكان منكوب بمجرد أن تمشي فيه تسترجع في ذكريات الفيضانات والأماكن اللي كنت تحب نمشي فيها مع أصحابك" وتسائل بحرقة "هذه هي المدينة التي كنت أطير لها بمجرد  انتهاء الامتحانات؟"

عم إبراهيم بائع الخضار المتجول استشهد ابنه وهو يحاول انقاذه لينجو الأب و يموت الابن.
تصوير: محمد العلوانيعم إبراهيم بائع الخضار المتجول استشهد ابنه وهو يحاول انقاذه لينجو الأب و يموت الابن.
تصوير: محمد العلواني
عم إبراهيم بائع الخضار المتجول استشهد ابنه وهو يحاول انقاذه لينجو الأب و يموت الابن. تصوير: محمد العلواني

كل سؤال كنت أطرحه على علواني كان بمثابة كارثة  تفتح له الجرح من جديد، يسرح معها ويتذكر،  فدائمًا ما كان يرى كوارث التغير المناخي بالموضوع البعيد عن المنطقة العربية "  كنت أراها في المناطق المدارية والاستوائية، عمري ما كنت اتخيل أن أعيشه في شمال أفريقيا أو حتى في حياة أولادي وأحفادي".

العلواني كان لديه صورة قديمة لشجرة لم يدرك قيمة الصورة في البداية إلا بعد أن اختفت الشجرة ولم تعد موجودة بعد الأن، فشعر بأهمية توثيق الشيء قبل زواله، ليكتب له القدر مرة أخرى أن يوثق وجوه أهل وشوارع مدينته قبل أن تمحوا وتنتهي الذكريات، ويأكلها إعصار دانيال ويقضي على الأخضر واليابس، فقدره أن يوثق قبل وبعد الكارثة.

اشتركوا في نشرتنا الإخبارية

نعدكم أننا لن نعطي بريدكم الإلكتروني إلى أي طرف خارجي، كما يمكنكم إلغاء اشتراككم في أي وقت.

هل أعجبتك هذه المقالة؟
وقت القراءة٤ دقائق
    تفضيلات ملفات تعريف الارتباط

    نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتحسين تجربتكم. باستخدامكم لهذا الموقع، فإنكم توافقون على سياسة ملفات تعريف الارتباط