كل شيء حولها كان يدفعها للنضال من أجل العدالة المناخية
لقاء مع الناشطة البيئية نسرين عسيلة عن رحلتها مع العدالة المناخية
"عندما كنت طفلة، كنت أحب الذهاب إلى "ضاية عوا". كانت بحيرة ساحرة، المياه زرقاء وصافية، تحيط بها الأشجار الخضراء والزهور البرية، وكنا نعتبرها جنة صغيرة على الأرض، ولكن مع مرور السنوات، بدأت مياه البحيرة تتراجع ببطء، ولم تعد تلك المياه الزرقاء الصافية موجودة، أصبح المكان يعاني من الجفاف والتصحر، يومًا بعد يوم، كنت أشاهد البحيرة تتلاشى أمام عيني، الأماكن التي كنا نلعب فيها ونستمتع أصبحت قاحلة، فقدت بحيرة "ضاية عوا" جمالها وأصبحت مجرد ذكرى حزينة من الماضي، ولم يتوقف الأمر عند الجفاف فقط، الأشجار التي كانت تحتضن القرود المتسلقة، والبط الذي كان يسبح في المياه، كلها اختفت، وكأن الحياة تركت هذا المكان".
لم تستوعب الناشطة البيئية المغربية نسرين عسيلة سبب هذا التغير، ولكن مع مرور الوقت أدركت وبشكل مؤلم أن التغيرات المناخية هي السبب، وكيف يمكنها أن تدمر الأماكن الجميلة التي نحبها، مما شكل لها دافع أن تناضل من أجل العدالة المناخية، لتحافظ على باقي الذكريات لها وللأجيال القادمة.
فتحكي لنا نسرين عن أول مشاركاتها في الأنشطة المناخية" كنت أبحث دائمًا عن فرص للمشاركة في المبادرات المتعلقة بالمناخ، جاءت مشاركتي الأولى عندما سمعت عن حملة محلية تهدف إلى زيادة الوعي بتغير المناخ كانت هذه الحملة تنظمها الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية، بدأت بالمشاركة في ورشات العمل التثقيفية وحلقات النقاش، تعلمت الكثير عن القضايا البيئية المحلية والعالمية، لكن النقطة الفاصلة كانت عندما أدركت أن كلًا منا يجب أن يكون له صوت مسموع في القضية.
هذه التجارب زادت من شغفها ومن وقتها وهي تواصل البحث عن الفرص للمساهمة في المبادرات والمشاريع التي تهدف إلى حماية كوكبنا، حتى عملت كمديرة برامج في جمعية الاقتصاد الأخضر والعالم العربي، وهي جمعية تعمل على عدة مشاريع بينها حماية التنوع البيولوجي في عدة مناطق بالمغرب منها بحيرة سيدي بوغابة، والفوارات.
ولكن دائمًا كانت تلتقي بقصص تدفعها أكثر للانخراط تقول" في المناطق الريفية بالمغرب، تعتبر فاكهة التين الشوكي رمزًا للأمل والرزق للعديد من النساء، هؤلاء النسوة يستخدمن مهاراتهن التقليدية لجمع الفاكهة وتحويلها إلى عصائر ومربيات، مما يوفر لهن مصادر دخل مستقرة، يزرعن التين الشوكي بقلوب مليئة بالأمل، مستفيدة من فوائد هذه النبتة التي تساهم أيضًا في تغذية الماشية خلال فترات الجفاف، لكن مع تزايد التغيرات المناخية، تقلصت مساحات زراعة التين الشوكي، مما أثر سلبًا على الإنتاج وأدى إلى فقدان الكثير من النساء لوظائفهن ومصادر رزقهن واليوم، تعاني العديد منهن من البطالة، بعد أن كانت هذه الفاكهة تعيش في قلوبهن وحقولهن".
ولم تكن القصص فقط التي تقابلها هي التي تدفعها للنضال حتى عملها جعلها تنخرط أكثر، ولكن كيف هذا؟ فنسرين درست العلاج الطبيعي، وحصلت على شهادة البكالوريوس في القانون ثم درجة الماجستير في الإدارة الدولية، ما علاقة كل هذا بالمناخ؟
فتوضح لنا نسرين الرابط القوي وتقول"تخصصي في العلاج الطبيعي منحني فهمًا عميقاً لتأثيرات الظروف البيئية على صحة الأفراد أدركت من خلال تجربتي العملية أن التغيرات المناخية يمكن أن تسبب مجموعة من المشاكل الصحية، بدءًا من أمراض الجهاز التنفسي وصولاً إلى التأثيرات النفسية على الأفراد المتأثرين بالكوارث الطبيعية".
وتحكي قصة بخصوص هذا الشأن زادتها إصرار على العمل من أجل العدالة المناخية "صادفت حالة مريض أثر فيه التغيرات المناخية بشكل كبير على صحته يدعى السيد أحمد، مزارعًا يعيش في إحدى المناطق الريفية التي تعاني من آثار الجفاف المتزايد، كان يعاني من مشاكل صحية منها صعوبة التنفس والربو، وهو ما جعل من الصعب عليه القيام بعمله اليومي في الحقول. لم يكن الربو مشكلة جديدة بالنسبة له، لكنه أصبح أسوأ بشكل ملحوظ مع تزايد موجات الحرارة والجفاف التي تعرضت لها منطقته، علاوة على ذلك، تعرضه للإجهاد الحراري بشكل متكرر أثناء عمله في الحقول مما أدى إلى إصابته بالإغماء في بعض الأحيان. هذه الظروف أجبرته على تقليص ساعات عمله، مما أثر على إنتاجيته ودخله، وزاد من معاناته الصحية والنفسية".
التغيرات المناخية لم تؤثر فقط على صحة السيد أحمد الجسدية، بل أيضًا على صحته النفسية، كان يشعر بالقلق والاكتئاب بسبب عدم قدرته على تأمين حياة كريمة لعائلته وكانت تحاول نسرين خلال جلسات العلاج الطبيعي، أن تركز على تحسين قدرته على التنفس وتقديم الدعم المناسب لمساعدته في التعامل مع الإجهاد الحراري.
هذا بالنسبة لتخصصها في العلاج الطبيعي أما عن دراستها في القانون الدولي والإدارة الدولية وإدارة الشراكات تقول " فقد زودتني بنظرة شاملة على كيفية عمل المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، في مواجهة التحديات المناخية. هذا الجمع بين المعرفة الطبية والبيئية، والفهم العميق للأطر القانونية والإدارية، يتيح لي العمل بفعالية في مبادرات المناخ، أستطيع استخدام مهاراتي في إدارة الشراكات لتسهيل التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة، من الحكومات إلى المنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية، وأستطيع أيضًا تطبيق معرفتي العلمية والطبية في تطوير استراتيجيات تستند إلى الحقائق العلمية، مما يضمن أن تكون الحلول المقترحة مستدامة وفعالة".
فكان الرابط بين هذه التخصصات جعلها تدرك بشكل عميق بأن التحديات المناخية تتطلب نهجًا متعدد التخصصات وتعاونًا دوليًا، وتدرك أيضَا معنى ضرورة تحقيق العدالة المناخية فقصة السيد أحمد ومزارعات التين الشوكي يؤكدوا على أن التغير المناخي ليس مجرد قضية بيئية، بل هو أيضًا قضية اجتماعية وأخلاقية، فتأثيرات التغير المناخي لا توزع بشكل متساوٍ بين جميع الناس والمجتمعات، الفئات الأكثر ضعفًا والأقل مسؤولية عن انبعاثات الغازات الدفيئة هي التي تتحمل العبء الأكبر من التأثيرات السلبية، فلهذا تناضل نسرين عسيلة من أجل العدالة ومن أجل ذكرياتها في بحيرة "ضاية عوا".
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.