مليار شخص حول العالم.. في انتظار العدالة المناخية
معاناة يومية لمليار شخص حول العالم، تزداد مع ضيفنا الجديد المعروف باسم "التغيير المناخي"
رياضي عاشق للكونغ فو منذ أن كان عمره ٥ سنوات، وعندما اشتد عوده قرر أن يلتحق بكلية التربية الرياضية ليكمل حلمه الرياضي، ومن وقتها وهو يشارك في بطولات عديدة ويحصد على جوائز، و"لكن" ذلك الحرف الذي يصف الحال بين نقيضين، قرر القدر أن يلعب لعبته في يوم فاصل في حياته إثر تعرضه لحادثة أثناء طريقه للتمرين، فوسيلة النقل التي أصر على ركوبها سقطت من فوق كبري عالي، ومن بعدها لم تعد حياته كما كانت، تسببت له الحادثة في كسر للعمود الفقري مما نتج عنه شلل نصفي.
ولكن لم يستسلم وقرر أن يستمر في رياضة أخرى ولكن هذه المرة على كرسي متحرك، فاختار التنس، وحتى يذهب للتمرين، كان يقوم بعمل خطط واتفاقيات مع أصحابه وجيرانه في الشارع أشبه بخطط الحروب حتى يتمكن من الذهاب، وذلك لسكنه في الدور العاشر في منطقة شبرا، والبيوت القديمة لا يوجد بها مصاعد كهربائية، فماذا يفعل حتى يصل للدور الأرضي؟
هل تتخيلوا أن الأهالي كانوا يحملونه على الأكتاف بشكل يومي في الصعود والنزول حتى يستطيع أن يكمل حلمه ويذهب التدريب؟ وبرغم معاناته اليومية لم يغب يوم عن التمرين.
ما أحدثكم عنه قصة حقيقية لشخص ملهم لم يحالفني الحظ على نشر قصته يدعى “محمود يوسف” .. فقررت أن أنشرها عندما وجدت الموضوع المناسب لها.
محمود يعاني في ظروف البيئة الطبيعية فماذا لو أضيفت له معاناة جديدة لرصيده تسمى بمعاناة "التغيير المناخي؟"
أثناء حديثي معه اكتشفت أنه لا يملك أي خلفية عن التغيير المناخي وما يسببه في العالم، لم يكن لديه الوعي بما من الممكن أن يحدث في المستقبل وفيما يخصه هو في المقام الأول، وبالتالي عند سؤالي من وجهة نظره كيف سيؤثرالتغير المناخي عليه، لم يأخذ الموضوع على محمل الجد ولبساطته وروح الدعابة التي يمتلكها دائمًا ربط أن التغيير المناخي هو ما يسبب عدم عمل التكييف الهوائي بشكل جيد في الصيف.
ولكن عندما بدأت أشرح له ماذا يواجه العالم الأن وما المتوقع حدوثه من فيضانات بدأ في الاستيعاب، وقال "شعرت بضيق بسبب ما تخيلته أثناء حديثك، فتخليت نفسي وأنا عاجز لا يقدر أحد على مساعدتي، ففوق معاناتي لم أكن أتخيل أن هناك خطر أكبر يهددني لم أفكر يومًا أن أضعه في الحسبان".
فمحمود الذي كان يعاني من أبسط أشياء التغيير المناخي المتمثلة في المطر الشديد وكان يمتنع عن النزول من المنزل لصعوبة الحركة وقتها في الشارع، كيف سيتعامل هو ومليار شخص غيره حول العالم من أشخاص ذوي الإعاقة فيما هو أكبر؟ ماذا سيفعل في حال إذا تعرضت منطقته لكارثة طبيعية وهو مازال يسكن في الطابق العاشر؟ من سينقذه؟ هل سيقومون بحمله مجددًا مثلما كان يحدث في التمرين، أم سيترك لمصيره؟ هل المشكلة تكمن في الاستعدادات لمواجهة الطورايء أم في الإعاقة؟
شعرت بضيق بسبب ما تخيلته أثناء حديثك، فتخليت نفسي وأنا عاجز لا يقدر أحد على مساعدتي، ففوق معاناتي لم أكن أتخيل أن هناك خطر أكبر يهددني لم أفكر يومًا أن أضعه في الحسبان
هذا ما أردنا أن نناقشه مع دكتور خالد حنفي عضو مجلس النواب السابق وأول نائب بالتعيين من ذوي الإعاقة في مصر والمتحدث الرسمي باسم المجلس القومي لذوي الإعاقة فوضح لنا " سدس العالم من ذوي الإعاقة، فئة كبيرة وليست بالجزء الصغير من المجتمع، وبالتالي ما يحدث على سطح الكوكب يؤثر عليهم، إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لتكيفهم مع التغيرات المناخية بما فيها تغيير الخريطة بأكملها.. الخطورة تكمن في أن تعاملهم مع هذه المتغيرات سيكون أبطأ من غيرهم، لأن شخص ذوي الإعاقة في الأساس شخص بطيء الحركة، أيًا كان نوع إعاقته بصرية أو حركية فإذا تأخر في اتخاذ القرار سيؤدي لمشكلة أكبر وتكون عدد الضحايا أكثر".
وفي حالات الطوارئ المفاجئة كالأعاصير والتدريجية مثل شح المطر يضرب مثال عن أوجه المعاناة المختلفة "نفترض مثلًا وجود فيضان فمن المفروض أن نقوم باتخاذ تدابير معينة لإخلاء المساكن من حيث مخارج الطوارئ، ولكن ماذا عنهم؟ ماذا عن ذوي الإعاقة وقت حدوث زلزال راجع لتغيرات مناخية، ماذا عن المدن الساحلية التي من الممكن أن تتلاشى وتتسبب في نقل المواطنين ؟ هل الأماكن التي سيتم نقل ذوي الإعاقة متاحة ومؤهلة لهم؟"
وهذا في حالة أن حالفهم الحظ واستطاعوا أن ينتقلوا لأنه في الغالب سيكون تنقلهم محدود، خاصة في المناطق الريفية، فقد يضطرون إلى البقاء في أماكن معرضة لأضرار ناتجة عن التغيرات المناخية، أما الذين ينتقلون أو يهاجرون داخليًا أو عبر الحدود فقد يحتاجون إلى حماية دولية لحقوق الانسان أو للاجئين ويكونون أكثر عرضة لخطر التخلي عنهم في بيئة متدهورة بدون تقديم الدعم.
وليس فقط على مستوى الكوارث الكبيرة فيوضح لنا "ماذا عن قلة الأمطار التي تسبب في إعاقة نمو المحاصيل وبالتالي بور الأرض وزيادة الفقر ومن ثم يصبح هناك مناخ صحراوي أعنف وأعنف بسبب غياب النباتات التي تجعله أكثر رطوبة؟ وكل هذا سيجلب أمراضًا وسيضاعف معاناة ذوي الإعاقة".
ولذلك يضيف دكتور خالد " يجب على الدول عند رسمها لاستراتيجيات تخص مكافحة التغيرات المناخية أن تضع نصب أعينها التعاطي مع احتياجات ذوي الإعاقة، فهناك اتفاقية دولية أكثر من ۱۸۰ دولة صدقت عليها بها جزء خاص بالتقليل من حدوث الكوارث، الاتفاقية تضع أطرًا عامة للدول للتعامل مع الكوارث بالنسبة لأشخاص ذوي الإعاقة، وهذه المظلة التشريعية مطالب أن تلتزم بها الدول".
ولأن نتائج المسح العالمي عبر الإنترنت الذي أجراه مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث لعام ۲۰۲۳، أفاد ۸٦% من ذوي الإعاقة لم يشاركوا في اتخاذ القرارات والتخطيط لمواجهة الكوارث على مستوى المجتمع المحلي، أشار دكتور خالد إلى ضرورة إشراك ذوي الاعاقة في صناعة القرار" فكيف تضع برنامج بدون سماع رأي أصحاب المصلحة؟ كيف وهم يملكون التصور للتحديات التي من الممكن أن يقعوا بها والأهم هو تصورهم للحلول؟"
"الفقر والوصم والتمييز" هي العناصر الأساسية التي تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لأثر التغيير المناخي حسب تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي التي بدت واضحة جلية في حديثنا مع دكتور خالد، الفقر في أن ۸ من كل ۱۰ ذوو إعاقة موجودين البلدان النامية، والتمييز في عدم المساواة في الإتاحة في الموارد، والوصم الذي خلق به ذوي الإعاقة. وكل هذا ينتج عنه معدلات وفيات تصل إلى أربعة أضعاف في الكوارث الطبيعية مقارنة بالأشخاص العادية.
ولكن لمعلوماتك أن ۷٤% من ذوي الإعاقة لا يستخدمون كرسيًا متحركًا أو أي شيء قد يشير بصريًا إلى ضعفهم أمام العالم الخارجي، فيما يعرف بالإعاقات غير مرئية. فهناك فئة يعانون ربما من ضعف غير مرئي، مثل التهاب الدماغ والنخاع العضلي أو مرض التصلب المتعدد، ومتلازمة التحسس المركزي في الدماغ والنخاع الشوكي أو الصرع ووربما طيف التوحد والفشل الكلوي.و ما سيواجهونه لا يقل خطورة على الإعاقة الظاهرية، لأن الأشخاص العادية قد لا يتمكنون من رؤية التحديات التي يواجهونها، وقد يجدون صعوبة في فهم شخص ما أو تصديقه إذا كان يحتاج حقًا إلى المساعدة.
لذلك مع توقع نزوح ۱۸ مليون شخص بحلول عام ۲۰٥۰ من ذوي الإعاقة سواء إعاقة مرئية أو غير مرئية بسبب الظواهر المناخية، نحتاج أن نضع في الاعتبار أن أي عمل مناخي يجب أن يصون كرامتهم، لتطبيق ما نسميه بـ” العدالة المناخية”.
ولنصل بتلك الفئة الهشة الأكثر عرضة للإهمال لبر الأمان، ومعهم محمود يوسف حتى لا يصبح رقم من أرقام الضحايا في يوم من الأيام، ليستطيع إكمال قصته الملهمة.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.