ذهبت لتستعيد أمجاد ابن بطوطة وجدت نفسها توثق مستقبل سنرثه جميعًا
سما الشيبي فنانة تصويرية، ذهبت لإعادة إحياء رحلات ابن بطوطة ثم وجدت نفسها توثق ندرة المياه في صحاري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ولدت لأم فلسطينية وأب عراقي عاشت حياتها تذوق مرارة الحروب والصراعات واللجوء، فتصف هويتها في الأساس بأنها “لاجئة” أو “مهاجرة”، اكتسبت حبها للفن من أمها في البداية فتصفها بالشخص المبدع كونها فنانة وخياطة تستطيع أن تصنع أي شيء، ومن بعدها تنسب الفضل لعائلتها التي ربتها في جو سيطر عليه الموسيقى والكتب والتعبير الإبداعي، فمنذ أن كانت طفلة علمها والدها استخدام الكاميرا فراحت تخلق شخصيات وروايات وتقوم بتصويرها، ولكنها لم تفهم من الأساس أن من أول لمسها للكاميرا كانت تروي قصة عن حياتها التي عاشتها والعالم من حولها دون أن تعي، لم تدرك كل هذا حتى منتصف العشرينيات وإلى أن درست التصوير الصحفي.
فكانت هذه بدايات سما الشيبي الفنانة التصويرية التي تستخدم التصوير والفيديو وممارسات تجسيدية في أعمالها تكون أحيانًا هي بطلتها لتصل بها رسالتها، والآن هي أستاذة في التصوير الفوتوغرافي والفيديو والتصوير في جامعة أريزونا، وحصلت على درجة البكالوريوس في التصوير الفوتوغرافي من كلية كولومبيا في شيكاغو ودرجة الماجستير في التصوير الفوتوغرافي والفيديو وفنون الإعلام من جامعة كولورادو، واقتنيت أعمالها في مجموعات خاصة وفي المتاحف، في معظم دول العالم.
عن أعمالها تقول سما أنها تتضمن تعقيدًا يوحي برحلة حياتها وحياة الآخرين مثلها، تشعر بنوع من الارتباط بالمكان والطبيعة، وتتأثر بكيفية تطور الحياة من حولها، ولكنها لم تتوقع أن تخطط لتوثيق عمل ما وتذهب لتوثيق شيء آخر، هذا ما عاشته في مشروع تحول وبدون أن تشعر لمشروع توثيقي عن التغيير المناخي.
الحكاية بدأت من عام ٢٠١٠، بعد حصولها على منحة بحثية من جامعة أريزونا لمشروع بحثي مستوحي من رحلات المستكشف ابن بطوطة في القرن الرابع عشر، الذي عرف بكثرة أسفاره وترحاله، رحل دون رفيق ولا قريب، واتخذ في كل مدينة وقف فيها صاحبًا، فحكى عنه وعن المدينة التي قابله فيه، واستغرق زمن رحلاته نحو ٣٠ عامًا وجمع نوادر الرحلة في كتاب "تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأقدار".
فكانت سما تريد تكرار تجربة ابن بطوط، استكشاف الحياة خارج الحدود، باستخدام الصحراء كرمز للهوية المشتركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأرادت المصورة توظيف جسدها كـرابط مجازي للهجرة، والصحراء، ومختلف المجتمعات والأمم.
ولكنها وجدت نفسها توثق تهديدات التغيير المناخي والتحديات البيئية وندرة المياه في الصحاري المتعلقة بالدول التي زارتها، في مشروع استغرق سنوات في زيارة الدول كما ابن بطوط، وأرادت أن تجمع نوادره ولكن ليس في كتاب هذه المرة بل في أعمال تصويرية تحت عنوان "سلسلة".
لن تحمينا جنسيتنا أو حدودنا من التغيير المناخي فكلنا في الآخر واحد.. سنرث المستقبل المشترك جميعًا
وأصبح المشروع عبارة عن رحلة للبحث عن "الصلة مع بعضنا البعض كمجتمعات مترابطة، وكأمم ستعاني من مستقبل لا يمكن تخيله في وجه التغير المناخي في سياق الخلل السياسي، والاجتماعي" ويروي علاقة روحية وأساسية بالماء، تعكس حقيقة أننا مرتبطون ببعضنا البعض، كما وضحت.
فتقول “إن ازدواجية صحاري الشرق الأوسط، التي تواجه تهديدات مثل ندرة المياه وتغير المناخ، تعرض الاستقرار والاقتصادات للخطر، الشرق الأوسط معرض بشكل خاص لتغير المناخ بسبب بيئته القاحلة بالفعل، وموارد المياه العذبة المحدودة، والاعتماد الكبير على القطاعات الحساسة للمناخ مثل الزراعة. وهذا يزيد من حدة التوترات الاجتماعية - السياسية القائمة ويهدد استقرار المنطقة".
كون سما فلسطينية وعراقية عاشت حياة استثنائية وتعتبر نفسها "لاجئة" واللجوء هو من صنعها فنانة، سألناها كيف انعكس هذا على أعمالها وعلى مشروع سلسلة بالتحديد فقالت “نحن نعرف ما يعنيه أن يتم اقتلاعنا وتشريدنا، أو تركنا معرضين للخطر جسديًا،. نحن نحمل ذكريات المحو والخسارة، لكننا أيضًا لا ننطفئ، نصر على إعادة سرد قصصنا من أجل مجتمع أكثر عدلاً. تتناول "سلسلة" تغير المناخ، لكنها تتحدث أيضًا عن هويتنا الجماعية ومقاومة الناشطين ضد الانقراض".
من التوثيقات التي أثرت في سما كانت من بلدها العراق فتقول “استغرق المشروع ٨ سنوات، بعد توقف دام ست سنوات، عدت إلىه في عام ٢٠٢٢ وغامرت بالذهاب إلى مستنقعات بلاد ما بين النهرين القديمة في العراق للحصول على مقطع فيديو يتعمق في قضايا التصحر وتلوث المياه والآثار الاجتماعية والبيئية فكانت حالة مأساوية تستحق أن تأسف عليها".
ما يبرز سلسة عن الأعمال الأخرى المتعلقة بتغير المناخ كما وضحت سما مزجه من التعبير الفني والسرد الثقافي ونوايا القائمين على المشروع في البداية، على عكس العديد من المشاريع التي تركز فقط على التدهور البيئي، حيث تتشابك سلسلة بين موضوعات الرحلة الروحية والتراث الثقافي والحدود الجغرافية في سياق الأزمة البيئية.
كما أن المشروع يرفض حدود الدول ويضع القصة في منطقة بلا حدود، يحرص على عدم تسمية البلدان التي التُقطت فيها الصور، يكاد يكون من المستحيل تمييز البلد المحدد المصور في كل صورة، وهذا مقصود تمامًا من القائمين على المشروع، للتذكير بأن بالصحاري والمياه، عنصرين لا يمكن تقييدهما بالحدود الوطنية كما وضحت وقالت "لن تحمينا جنسيتنا أو حدودنا من التغيير المناخي فكلنا في الآخر واحد.. سنرث المستقبل المشترك جميعًا".
سما أرادت أن تكتشف الحياة خارج الحدود وتستعيد أمجاد ابن بطوط وتوثق الهوية المشتركة لنا جميعًا المتمثلة في الصحراء.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.