فنانة تتعافى بالطبيعة وتبحث عن الاستدامة
فنانة تشكيلية تنغمس في الطبيعة لتتعافى نفسيا وتجد إجابات على أسئلتها بطريقة .
"اعتقد لي من اسمي نصيب، أجد نفسي هذه الشخصية التي تحمل النقيضين في وقت واحد، تشرق شمسي أحيانًا وتغرب حينًا، أجد من تقلبات حياتي التي مررت بها مصدر قوة لي، فتجارب الحياة تشبه العوامل الطبيعية التي تنحت الصخور وتشكلها في منحوتات طبيعية فنية".
هكذا عرفتنا الفنانة التشكيلية اليمنية المقيمة في السعودية دنيا الشطيري بنفسها، الفنانة التي بدأ شغفها وحبها للفن في مرحلة مبكرة من حياتها حيث كانت الألوان والأشكال تثير وتلهم خيالها، فكانت وحيدة في صغرها وغرفتها تحتضن كثيرًا من القصص التي كانت تنسجها في خيالها وترسمها على كراساتها، فتقول " حيث كان صخب الحكايات الصامتة ترويه بتلة وردة ساقطة في حديقة خلفية انتشرت على صفحة بيضاء".
عاشت حياتها مغتربة وهذا الاغتراب لم يقتصر على البعد المكاني فقط، فتعبر عنه " الاغتراب زاد في تعمقه بتبني ثقافتين متنوعتين، مما فتح أمامي أفاقًا جديدة لفهم الهوية والانتماء، عبر العيش في بيئتين ثقافيتين لديها نقاط اختلاف متعددة، وجدت نفسي محاطة بالفوارق الثقافية والاجتماعية، ولكن هذه الفوارق لم تكن عائقًا بل كانت فرصة لاستكشاف وتوسيع تفكيري وفهمي للهوية".
اختارت الفن التشكيلي لأنه يتيح لها استكشاف مفاهيم أعمق وتحليل العديد من القضايا المعاصرة، ويعطيها مساحة للتواصل والتفاعل المباشر مع الجمهور ليجدوا معاني شخصية لهم، وأيضًا تجد فيه مساحة للابتكار والتجريب، حيث يمكنها استخدام مجموعة متنوعة من المواد والوسائط لإنشاء أعمال فنية فريدة ومثيرة.
ودارستها لتكنولوجيا المعلومات، أفادتها في توسيع آفاقها الفنية وتحسين عملها الإبداعي وتقديم تجارب ومبتكرة للمشاهدين بما في ذلك استخدام الوسائط المتعددة والتقنيات الحديثة، فاستطاعت أن تحول الأسلاك المعدنية والأنابيب البلاستيكية الملفوفة بين أيديها لقطع فنية بعد إعادة تدويرها حيث تقوم بطييها وتحويلها لمجسمات بنوتة فنية خاصة بها.
هدفها في المقام الأول من خلال تحويل تلك الأسلاك إلى إيجاد وسيلة للتعبير عن رؤيتها الفنية ولكن في نفس الوقت ملتزمة بأن تكون مسؤولة بيئيًا في عملها الفني، وتسعى لجعل قطعها الفنية صديقة للبيئة في أقصى حد ممكن، من خلال حرصها على استدامة المواد المستخدمة، وعدم الهدر في استخدام الموارد، وفي إيجاد بدائل أخرى أكثر استدامة، كما اتجهت أيضَا في أعمال أخرى للتعبير الفني باستخدام فيديو توليدي يعرض مباشرة بدون استخدام أي مواد سيكون لها أثر تراكمي على البيئة، وبهذا يكون الفن مستدامًا مع دنيا.
دنيا من وجهة نظرها أنه يمكن الفن أن يلفت انتباه الناس ويشجعهم على اتخاذ إجراءات إيجابية للحفاظ على البيئة، والمساهمة في تحسين علاقتهم بها من خلال تجسيد المشاكل البيئية بشكل مبتكر ومؤثر، مما يحفز النقاش والتفكير في كيفية حل هذه المشاكل.
وكما تحافظ على البيئة والطبيعة، فالإلهام وطقوس استحضار الأعمال الفنية أيضَا تأتي منهم فتوضح" يهمني هو العثور على تساؤل يثير الفضول لدي للبحث أكثر في موضوع ما ومن ثم تتولد الفكرة بشكل عام، وحتى أستطيع صياغتها بصريًا تساعدني العزلة أو الانغماس في الطبيعة".
حتى في أعمالها الفنية تحاول أن تعبر عن الاستدامة ولكن من منظور آخر فحكت لنا عن قطعة فنية عن جدة التاريخية حاولت تعبر فيها عن روح المدينة واستدامة القصص نفسها فأخذتها من منحنى آخر لمحاولتها أن تحافظ على جزء من التراث الشفهي .. وأحيانًا أخرى تأخذ في أعمالها أجزاء من البيئة لتعبر عما بداخل الإنسان، فمثلا أحداث فلسطين استوحت منه عمل كان عبارة عن شجرة جذورها مشتعلة كتعبير عن البشر من خلال تلك الشجرة فاستطاعت أن تربط الإنسان بالبيئة، وكيف يحاول أن يمد جذوره دائمًا لأنها طريقة ثباته في الأرض.
ولكن يبقى السؤال الأهم هل هناك ما يؤرق الفنان ويؤرق نفسيته؟ و عن الأحداث المناخية والكوارث الطبيعية التي تحدث وكيف تؤثر على الفنان وكيف يتخطاها فتوضح "أثر البيئة يلمس الفنان بطريقة أو بأخرى فيتأثر بالكثير من الأشياء، فحساسية الفنان أعلى من أي إنسان عادي، فالرفاهية في الحس الموجودة عنده وتطلعه وتدقيقه في التفاصيل التي حوله تجعله ينغمس في أشياء بطريقة من الممكن أن تجلب له الاكتئاب ،ولكن بالمقابل وبالتدريج تجد هذا الاكتئاب قدم نتيجة إيجابية". فلخصت دنيا المراحل التي يمر بها الفنان عند تعرضه لحادث سواء كوني أو لنتيجة طبيعية لا يستطيع أن يتحكم بها كالكوارث المناخية، بأنه يمر من مرحلة الصدمة إلى التقبل وبعدها التأمل في كل شيء حوله.
فيهرب للطبيعة التي لم يترك الإنسان بصمته فيها، وينغمس في البيئة أكثر ، فيستقر ويتعافى بها داخليًا، ليصير الفن والطبيعة هو الاستشفاء بحد ذاته من أي عامل خارجي. فهكذا يتعافى الفنان وتتعافى دنيا الشطيري التي تبحث عن الاستدامة وتعتبر الطبيعة هي ذخيرتها الأساسية في الإلهام .. فتخيل الطبيعة بغضبها هي نفسها من تمتلك الحل.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.