أرادت أن تكتب قصتها كـ"ناجية" وليست كـ"ضحية"
لقاء مع الناشطة البيئية والمهندسة إلسي ميلان لتحدثنا كيف كانت دراستها وسيلة لنجاتها ونجاة الكوكب
إلسي ميلان فتاة من بلدة صغيرة في لبنان، كبرت وهي ترى بلادها تمتلك أجمل أنواع الحيوانات والنباتات وكيف كان البحر كان سحريًا وكم كانت الأرز شامخة، لكن بالتدريج، بدأت تكتشف الظلام الذي جلبه الفساد ونقص الوعي البيئي لبلادها.
فوبيا الأماكن المغلقة زادت لديها من كثرة تعلقها في المصاعد عندما تنقطع الكهرباء، وبدأت تستاء من التلوث في مياه البحر الأبيض المتوسط، وتحزن من تصدر لبنان الأخبار بسبب أزمة النفايات، وأحيانًا تشاهد قرى تحترق بسبب التغير المناخي خلال فصل الصيف، كان غريبًا بالنسبة لها أننا في القرن الواحد والعشرين، ولم يكن لديهم كهرباء على مدار الساعة، فبلدها على حسب تعبيرها كانت عاجزة عن توفير خدمات الطاقة المتجددة للمجتمعات.
ولأن ميلان وجدت أن لا أحد سيتقدم لحل أي شيء أو يأخذ المبادرة، بدأت الانخراط في الأنشطة البيئية في وقت لم يكن الاستدامة موضوعًا رئيسيًا كما هو الآن، لذلك كانت واحدة من القلائل الذين كرسوا وقتهم لبناء مجتمع أخضر.
ولكن لم يتوقف الأمر على الأنشطة البيئية بل كانت دراستها جزء أساسي من رسالتها ومن المشاكل التي قابلتها فاختارت "الهندسة الكيميائية" وذلك لأنها كانت مهتمة بالتحول في مجال الطاقة وكان الكثيرون يراهنون على الطاقات المتجددة لتتفوق على سوق الوقود الأحفوري، فتقدمت للدراسة في هذا التخصص فتقول عنه "كنت أؤمن أن هناك غموضًا في الهندسة الكيميائية، هناك تفاعل عميق بين جميع العلوم لتحقيق خير أكبر ودفع عجلة الابتكار، وقد فعلت ذلك".
وظلت تدرس في هذا التخصص حتى جاءت نقطة التحول التي استطاعت أن تخدم البيئة بها على أرض الواقع من خلال تخصصها فتقول"في نهاية دراستي كمهندسة كيميائية، كان عليّ تقديم مشروع أطروحة، كنت أرغب بشدة في العمل على شيء يتعلق بالتحول في مجال الطاقة، ولكن أيضًا أن أركز على موضوع له أهمية بالشرق الأوسط، كنت أعلم دائمًا أن الشرق الأوسط مرادف للنفط والغاز، وبفضل الإدارة الجيدة لهذا المورد، شهدت المنطقة ازدهارًا وأيضًا دمارًا، هذا الذهب الأسود، أي النفط، كان يسقط ببطء في فخ لعنة الموارد، مع دفع الدول الأوروبية نحو الطاقة المتجددة، كنت أرغب في العمل على ذلك، أردت أن أبحث في مشروع يتجاوز الهندسة ليشمل السياسات والشؤون الدولية وكذلك الاقتصاد".
وخلال اجتماع لها مع أحد أساتذتها لمناقشة فكرة محتملة، اقترح عليها العمل على موضوع احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCS) حيث قال لها أستاذها: "تعلمين يا إلسي، إذا سلكتِ هذا المسار، ستكونين واحدة من الأوائل الذين يعملون عليه، إنه موضوع سيكون له تأثير هائل على العالم خلال الـ ۳۰ إلى ٥۰ سنة القادمة".
ومعروف عن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه أنه يعمل على التقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث نتيجة للعمليات الصناعية وتوليد الطاقة، وفي نفس الوقت مكافحة تغيّر المناخ عن طريق تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري.
فكان من هنا الانطلاقة فعملت إلسي على نمذجة الدروس المستفادة من مشاريع احتجاز الكربون الكبرى في العالم، وفهمت العديد من الجوانب التي يمكن أن تجعل المشروع ناجحًا أو فاشلاً، وكذلك المعايير التي يمكن اتباعها لتقليل المخاطر في المشاريع، والمنهجية التي اعتمدتها يمكن تطبيقهما على أي تقنية طاقة متجددة أو نظيفة.
والآن هي تكمل مشوارها كطالبة دكتوراة تركز على تطوير سياسات تعتمد على السوق لتشجيع تبني تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه في مختلف القطاعات النهائية وتتعاون مع منظمات دولية لإنشاء نماذج تمثيلية للأسواق الحقيقية، حيث يمكنها الآن فهم تأثير ضرائب الكربون، نظم تداول الانبعاثات، عقود الفروقات الكربونية، آليات تعديل حدود الكربون.
إلسي كونها ولدت في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، وعاشت العديد من النزاعات في لبنان وشهدت الأزمة الاقتصادية في ۲۰۱۹، وانفجار بيروت في ۲۰۲۰، وآخرها الحرب في ۲۰۲٤، رغم كل هذه الظروف، أرادت أن تكون قصتها قصة ناجية، وليست ضحية.
فهي تعلم أن المعركة طويلة وهناك حاجة إلى شخص ما في الخطوط الأمامية ليكون الوجه البارز للعدالة البيئية والتحول العادل للطاقة في الشرق الأوسط، وخدمت على كل هذا من خلال دراستها وتخصصها ورفعت شعار" إذا كان لابد لأحد أن يحارب فسيكون أنا".
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.