أرث عائلي يحفز النشاط البيئي

في قرية زراعية تقليدية بالأردن، حيث تميزت الأراضي الخضراء والحقول المزدهرة، نشأت إلهام العبادي وسط عائلة كانت تعيش من الأرض ومن خيراتها. كانت إلهام تتعلم منذ صغرها من والدها وأجدادها تقنيات الزراعة التقليدية، واكتسبت معرفة عميقة بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه. هذا التوجيه الأسري نحو البيئة وأهمية الزراعة كان له دور أساسي في تشكيل وعيها البيئي المبكر.

كبرت إلهام وهي تحمل في قلبها حبًا للطبيعة ورغبة في تحسين طرق الزراعة. لم تكتفِ بتعلم الزراعة التقليدية من عائلتها، بل سعت لتعزيز معرفتها العلمية. التحقت بجامعة GAIA، حيث تخصصت في تصميم النظم الإيكولوجية والزراعة المستدامة. خلال دراستها، اكتشفت شغفها بقضايا مهمة مثل الحصاد المائي والتكيف المناخي وإدارة الكربون. هذه المجالات كانت، بالنسبة لها، وسيلة لتحقيق تنمية زراعية مستدامة تحافظ على البيئة وتضمن الأمن الغذائي للأجيال القادمة.

دور عائلتها لم يتوقف عند الدعم العاطفي، بل تعداه إلى تشجيعها على النشاط البيئي العملي. في عام 1962، أسست عائلتها جمعية بيوضة التعاونية الزراعية، والتي ترأستها إلهام لاحقًا. من خلال هذه الجمعية، عملت على تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة وتحفيز المجتمع المحلي على المشاركة في الحفاظ على البيئة.

كانت هذه الخلفية الزراعية الثريّة والتجارب العملية محفزًا قويًا لإلهام لمتابعة مسيرتها البيئية. أدركت من خلالها الفوائد الهائلة للزراعة المستدامة وأثرها الإيجابي على البيئة والمجتمع. هذا الإدراك دفعها للمشاركة في مشاريع بيئية هامة في الأردن، مثل مشروع "خاكورة بيوضة" لزراعة الأشجار المثمرة، ومشروع "غابة ميسرة" لزيادة المساحات الخضراء، ومشروع "المزرعة المجتمعية" لتعزيز الزراعة المشتركة.

بالإضافة إلى ذلك، تعاونت إلهام مع وزارة الزراعة والمدارس الحقلية في زراعة الكركم والزعفران، وأطلقت "المنصة الكربونية" (Carbon Credit Hub - Jordan) لتحقيق حلول بيئية مستدامة وزيادة المساحات الخضراء في الأردن. من خلال هذه المنصة، استهدفت تعزيز مشاركة القطاع الخاص في دعم المشاريع البيئية، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

إلهام العبادي لم تكن مجرد ناشطة بيئية، بل كانت أيضًا معلمة ومرشدة. سعت لتعزيز الوعي البيئي في المجتمع من خلال حملات توعوية وورش عمل وتنظيم فعاليات بيئية. واجهت تحديات عديدة، أبرزها نقص التمويل، لكنها تعاملت معها ببراعة من خلال بناء شراكات مع القطاع الخاص وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية.

في نهاية المطاف، حققت إلهام العديد من النجاحات، مثل زراعة آلاف الحدائق المنزلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض الفواكه في عدة قرى. كما أنها عضو في حاضنة الابتكار الزراعي بالمركز الوطني للبحوث الزراعية، حيث يتم الاعتراف بمشاريعها البيئية الرائدة.

 مع تطلعها للمستقبل، تهدف إلهام إلى توسيع نطاق تجارة الكربون مع الدول الصناعية، ودعم مزارعي الأردن، وزيادة الغابات، والتحول الكامل إلى الاقتصاد الأخضر.

ومن رحلة إلهام العبادي يمكننا أن نتأكد أن التغيير البيئي المستدام يبدأ من المعرفة والإرادة والعمل الجاد. مهما كانت التحديات، يمكن تحقيق النجاح من خلال المثابرة والتعاون والعمل الجماعي. إن الحفاظ على البيئة ليس مسؤولية فردية فحسب، بل هو مسؤولية مجتمعية تتطلب.