نصائح جده البدوي دفعته لتشجير قطر
تعرف على قصة الناشط البيئي علي طالب الحنزاب

لم تكن الصحراء بالنسبة لها مجرد رمال صفراء ممتدة، تحمل معها الحر الحارق وقلة المياه، وصعوبة الحياة، بل على العكس تماماً كانت مكاناً مميزاً يشعر بالانتماء له دائماً ويتحدث عنه بحنين، وخاصة حينما يصل الأمر إلى جده، الذي يصفه دائماً بكل لقاءاته بأنه لم يكن رجلاً عادياً بل ناشطاً بيئياً بالفطرة، ومدرسة بيئية متنقلة، علم أحفاده كيف يحترمون الطبيعة ويوظفها لخدمة الإنسان دون إسراف، ومن بين هؤلاء الأحفاد علي طالب الحنزاب.
الحنزاب تعلم من جده الكثير عن الأشجار والنباتات والمواسم الفلاحية، وخلال حياتهم المتنقلة من مكان لآخر، تعلم منه أن يأخذ من الطبيعة حاجته فقط وألا يهدر مواردها، كما تعلم كيف يستخدم المياه التي يجمعونها خلال موسم هطول الأمطار، واعتاد في حياته على عدم طرح أي نفايات، من خلال اتباع طرق "إعادة التدوير"، وربما أهم شي اكتسبه: " إذا لم تكن لدينا حياة بيئية سليمة، فلن تكون هناك أي حياة".
الحنزاب الذي بات اليوم اسماً لامعاً في دولته قطر بمجال البيئية واستزراع الأراضي ونشر التوعية، لم يكن في طفولتهم يفهم الغاية من كلام جده، ويوضح أنه حينما كبر وتعرف على ما تعانيه بلاده من ظاهرة تصحر، أدرك أهمية ما كان يقوم به جده، وأن غاية عمله كانت المحافظة على البيئة للأجيال، ومن هنا تكونت لدى الحنزاب فكرة المحافظة على المياه والأشجار وكل العناصر البيئية، ونقل هذه الخبرة والأفكار للأجيال القادمة، كي يحملوها بدورهم لمن يأتي بعدهم، خاصة وأن السنوات القادمة ستحمل مشاكل أكثر بسبب مظاهر التغير المناخي.

أسس الحنزاب “مبادرة تشجير بر قطر”، التي انطلقت بزراعة أول شتلة عام ۲۰۱۹، واستمرت في توزيع الشتلات على أصحاب العزب والمخيمات الشتوية والمدارس والمساجد، يقول الحنزاب بأن مشروعه البيئي لا يقتصر على زراعة الأشجار فقط، رغم أنه زرع خلال خمس سنوات ۲٥ ألف شجرة بمختلف المناطق القطرية، ولكنه يسعى ليكون عمله متكامل يشمل الزراعة مع التوعية والتثقيف البيئي بين مختلف شرائح المجتمع، وخاصة الأطفال الذين يحرص على زيارتهم في مدارسهم وتنفيذ نشاطات ميدانية معهم، ويوضح أن دافعه لهذه المبادرات هو واجب ديني أولاً ووطني ثانياً.
رغم أن بيئة قطر تعتبر صحراوية لكن ذلك لم يحرمها من التنوع النباتي، حيث بلغ عدد الأنواع النباتية المرصودة فيها ٥۰۲ نوع وفق كتاب «فلورا قطر»، حيث أحست فيه وزارة البلدية والبيئة ٤۲۱ نوع من النباتات البرية الرعوية والطبية والعطرية والغذائية والدخيلة، و۲۷ نوع من المحاصيل الحقلية والعلفية، و۳۱ نوعاً من أشجار وشجيرات الزينة المتلائمة مع الظروف المحلية، و۲۳ نوعاً من أشجار وشجيرات الفاكهة المحلية أو المدخلة المتأقلمة مع الظروف المحلية.
وأمام هذا التنوع النباتي الغني، يؤكد الحنزاب في كل مبادراته على النباتات القطرية المحلية، مثل «الغاف، العبل، العرفج، الجعد، العتر، السلم، السمر، السدر البري، خناصر العروس، الغضا»، ويرفض إدخال أشجار غريبة أو استيراد نباتات غير ملائمة للبيئة القطرية، وبرأيه البيئة الصحراوية ملائمة لزراعة النباتات التي كانت موجودة فيها، ويجب معرفة كيف نزرع؟ ومتى نزرع؟ وكيف نتعامل مع المواسم الصيفية والشتوية؟ ويضيف الناشط البيئي القطري، بأن هذه النباتات المحلية، هي إرث بيئي يجب نقله للأطفال ليحملوا رسالة الحفاظ عليه، ويدركوا أن البيئة قضية عالمية، إذ لا يوجد بلد منفصل عن غيره بما يخص البيئة لو وقع تلوث في أي مكان سينتقل من بلد إلى آخر.

اليوم نجد الحنزاب لا يهدأ فهو يزرع النباتات ويحميها في البر أو الروض أو قرب الشواطئ من خطر الانقراض أو الاندثار، كما أسس محمية خاصة به أطلق عليها اسم محمية الحنزاب، والتي تحولت إلى قبله يأمها الطلاب من مختلف المدارس القطرية، وكذلك الناشطين البيئيين، ولفت الحنزاب إلى أن زوار محميته من الشباب والطلاب يتعرفون بشكل عملي على جميع أنواع النباتات المحلية التي زرعها على مدار سنوات داخل المحمية، كذلك يشاهدون طرق زراعتها ورعايتها، ويتعرفون على استخدامها ودورها في حفظ التوازن البيئي بدولة قطر.
تهتم قطر بشكل عام بالمحميات الطبيعية، إذ أحدثت ۱۲ محمية طبيعية بيئية برية هي (العريق، الذخيرة، خور العديد، الرفاع، أم العمد، أم قرن، الصنيع، الريم، الشحانية، المسحبية، الوسيل، وادي سلطانة) وتبلغ مساحة المحميات البحرية ۷۲۰ كيلومترا مربعا تشمل محمية خور العديد والذخيرة.
بعد سنوات من العمل الدؤوب تمكن الحنزاب من حجز مكان مميز لها على الساحة البيئية في قطر، إذ شارك في فعاليات الاحتفال باليوم الوطني ۲۰۲۱ تحت شعار مرابع الأجداد، وحصل على المركز الأول وشارك في معرض قطر الزراعي والبيئي الدولي الثاني، كما حصل على المركز الأول في ملتقى نجاح قطري في نسخته الخامسة، ويقول الحنزاب: "بالفعل حصلت المبادرة على أكثر من جائزة من بعض المؤسسات والهيئات والأندية الرياضية، ولكن لم يكن هدفنا الجوائز وإنما نقل هذه الرسالة إلى الأجيال، ولمسنا تأثير ما نفعل من خلال تفاعل المجتمع بشكل كبير مع مبادراتنا".
لن تتوقف أعمال الحنزاب ومبادراته وهو يطمح أن يقوم كل فرد يعيش في قطر، بزراعة شجرة واحدة على الأقل أو الحفاظ على شجرة، وأن يصبح نشر الوعي البيئي جزء من حياتهم وممارساتهم.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.