الصراع من أجل البقاء
بالصور والوعي: عبد الله الحتاوي يناصر الحياة البرية
في صباح هادئ، تجلت الطبيعة بجمالها المعتاد، لكن خلف كل شجرة وكل كائن بري كان هناك بطل غير مرئي يسعى جاهدًا لتوثيق كل تفصيل وكل لحظة. عبد الله الحتاوي، الذي اختار أن تكون الطبيعة والحياة البرية بطلتي قصته، يعيش مغامرته في توثيق هذا العالم المذهل بعيون المصور العاشق للأرض والكائنات التي تسكنها.
لم يكن عبد الله مجرد مصور، بل كان جزءًا من هذا العالم الطبيعي الذي بدأ شغفه به منذ طفولته. فقد كانت رحلات عائلته إلى الصحراء والجبال هي من أوقدت في قلبه هذا الحب الذي تحول فيما بعد إلى مهمة أكبر. لقد أدرك من خلال تلك الرحلات أن للطبيعة قصة لم تُروَ بعد، وأنه يستطيع من خلال عدسته أن يسرد تلك القصة، التي ستساهم في تغيير نظرة الناس نحو الحفاظ على البيئة.
بعد دراسته للهندسة الميكانيكية، بدأ عبد الله في استكشاف شغفه الآخر بالتصوير الفوتوغرافي، ليجد في النهاية أنه يستطيع دمج هذين المجالين في مهمة واحدة. فهو لم يكن مجرد مصور هاوٍ، بل كان يمتلك رؤية واضحة لما يريد تحقيقه، لقد أدرك أن حياته المهنية يمكن أن تكون أكثر من مجرد وظيفة، وأنها قد تكون وسيلة لرفع الوعي البيئي والتوعية بالتحديات التي تواجه الكائنات البرية. بدأ في توجيه كاميرته نحو الكائنات البرية التي تعيش في المحميات الطبيعية لدولة الإمارات، حيث أتيحت له الفرصة لتوثيق التنوع البيولوجي الغني في هذه المناطق، يقول عبد الله كل صورة يلتقطها هي ليست مجرد توثيق لحظة، بل هي قصة تُروى، ورسالة تصل إلى الناس ليعرفوا حجم الخطر الذي يهدد هذه الكائنات.
كانت الحياة البرية في محميات دولة الإمارات هي البداية الحقيقية لعبد الله في هذا المسار. هناك، وسط الصحراء والجبال الشاهقة، بدأ في توثيق تنوع الحياة البرية المذهل في هذه المناطق، لكن مع كل صورة يلتقطها، كان يرى شيئًا أعمق. بدأ يدرك أن هذه الكائنات ليست مجرد مشاهد جميلة، بل هي جزء من نظام بيئي متكامل يتعرض للتهديد من خلال فقدان التنوع البيولوجي والتغيرات المناخية.
الطبيعة، التي كانت دائمًا رمزًا للجمال والهدوء، أصبحت أيضًا رمزًا للهشاشة والتحدي. عبد الله لا يرى مجرد صور، بل يرى كائنات تكافح للبقاء على قيد الحياة في مواجهة تغيرات بيئية غير مسبوقة. فيقول عبد الله إنه يريد أن يُظهر للعالم كيف تؤثر هذه القضايا على الكائنات الحية التي نحبها ونتعايش معها، وقد بدا واضحًا أن مهمته قد أصبحت أكثر إلحاحًا.
لم يكن الأمر يتعلق فقط بالكائنات البرية في الإمارات. فقد كان اهتمام عبد الله بالتنوع البيولوجي يمتد إلى كل ركن من أركان الأرض. بدأ يتعاون مع منظمات بيئية محلية، مثل هيئة البيئة في أبو ظبي وهيئة البيئة في دبي، ليشارك في حملات توعية حول أهمية الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض. كان يلتقط صورًا مدهشة لهذه الكائنات ويعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، ليجذب انتباه الناس إلى الأهمية الكبيرة للحفاظ على هذه الأنواع.
لكن عبد الله لم يكن يكتفي بالصور فقط. لقد كان يعرف أن كل صورة يجب أن تحمل رسالة، وكل رسالة يجب أن تكون مدعومة بالعلم والمعلومات الموثوقة. فيقول إنه أحيانًا يواجه الرفض، لكنه يتعامل معه من خلال تقديم معلومات ودراسات علمية تدعم قضايا الحياة البرية"، إنه لا يرى في التصوير مجرد وسيلة لجذب الانتباه، بل يراه وسيلة لتغيير المفاهيم، ولإيصال الحقائق بطريقة تجذب الجمهور وتدفعهم للتفكير والتفاعل.
التحديات التي واجهها عبد الله لم تكن قليلة. فقد كان عليه أن يصل إلى المناطق النائية، وأن يتعامل مع الظروف المناخية القاسية. لكنه كان يعلم أن كل عقبة يتجاوزها هي خطوة نحو توثيق تلك اللحظات النادرة التي قد تكون مفتاحًا لفهم أعمق للعالم الطبيعي. حتى أن عبد الله يعترف بأنه أحيانًا يضطر للتخلي عن بعض الأنشطة الاجتماعية والتفرغ تمامًا للتصوير والسفر، لكنه يعلم أن هذا التضحية ضرورية لتحقيق أهدافه.
ورغم التحديات، حقق عبد الله نجاحات لافتة. من أبرز إنجازاته كان تصويره لأنواع البوم المهددة بالانقراض، حيث ساهمت صوره في زيادة الوعي حول تلك الأنواع، مما دفع المجتمع المحلي لتقديم دعم أكبر لجهود الحفاظ عليها. كما أطلق معرضًا فنيًا يمثل التنوع البيولوجي في منطقته، جذب الانتباه وأثار النقاش حول قضايا الحفاظ على البيئة. ليقول عنه عبد الله أنه يفتخر بإطلاق هذا المعرض لأنه كان بمثابة منبر لجذب انتباه الجمهور وحثهم على التفكير بعمق حول تأثيرهم على البيئة.
يطمح عبد الله في السنوات القادمة إلى استخدام تقنيات جديدة، مثل الطائرات بدون طيار، لتوثيق الحياة البرية في أماكن يصعب الوصول إليها. يرى في التكنولوجيا وسيلة لتحسين قدرته على التقاط تلك اللحظات النادرة التي توثق تفاعل الكائنات مع بيئتها الطبيعية، ويأمل أن يساهم هذا العمل في توسيع دائرة الوعي العالمي حول قضايا الحياة البرية.
وفي نهاية حديثه، لا يزال عبد الله متفائلًا بمستقبل أفضل للطبيعة. يضع نصب عينيه هدفًا واضحًا، إذ يقول إنه يريد أن يرى المزيد من الناس يشاركون في جهود الحفاظ على البيئة. كل صورة، كل قصة، يمكن أن تحدث فرقًا. فبالنسبة لعبد الله، الطبيعة هي البطل الحقيقي، والكائنات البرية هي حاملو القصة، وهو مجرد راوٍ يحاول بأقصى جهده أن يحكي تلك القصة للعالم، ليُظهر للناس أن الحفاظ على هذا الجمال الطبيعي هو مسؤوليتنا جميعًا.
بكلماته الأخيرة، قدم عبد الله نصيحته لكل من يرغب في السير على خطاه أن يبدأ بتوثيق تجاربه في الطبيعة. ويستخدم التصوير كأداة لإثارة الوعي. قد تكون جهوده صغيرة، لكنها قد تحدث تأثيرًا كبيرًا في يوم من الأيام.
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.