استخدم أدواته للتعبير عن قضايا تؤرقه من منظوره الفني
حوارنا مع الفنان التشكيلي السعودي عبد الناصر غارم
تنقله بين قريتي صدريد في النماص وخميس مشيط، التلذذ بحياة الريف، والأغاني الرعوية، خلقت عنده حس فني جعلت مدرس التربية الفنية يدفعه فيما بعد ليصبح فنان، شعر الطفل بالخجل وقتها لأن الفن في " أواخر التسعينات" لم يكن محببًا بحكم الأيديولوجية المتشددة في ذلك الوقت وكأن الفن "كدمة أخلاقية" لمجتمعه، ولكن ظل معلمه يشجعه ويأخذه لمعارض فنانين كبار ليشاهدوا رسوماته وهو صغير ويتعلم منهم، وعندما كبر بدأ حياته المهنية كضابط في الجيش، ولكن مهنته ساعدته على مواصلة شغفه، وأسهمت الحياة العسكرية في تكوين معرفة عميقة بما يجري في العالم عمل لاحقًا على تحويلها إلى أعمال فنية، فكان يؤدي واجبه الوطني ويعمل فنان في المساء.
ومن وقتها والفنان التشكيلي السعودي عبد الناصر غارم يبني عالمه السري الخاص به، وهو على اعتقاد أن الفنان والوسائط المعاصرة التي يستخدمها لها دور كبير في مخاطبة جميع حواس الجمهور وشد انتباههم إلى قضية معينة بعيدًا عن التقارير النصية والإحصائيات، وأن الفنان المعاصر لا بد من أن يناقش قضايا يعيشها لها علاقة بحياته.
ومن منطلق أننا نعيش في حقبة الأنثروبوسين (مصطلح يتعلق بالعصر الجيولوجي الحالي الذي يعتبر فيه النشاط البشري هو التأثير المهيمن على المناخ والبيئة) وقد يكون الاحتباس الحراري وتغير المناخ سبب مباشر في تشكل مهاجرين جدد فيما يعرف بـ"اللاجئ المناخي"، ولدت له أعمال فنية تعبر عن أزمة لاجئي المناخ من خلال القطعة الفنية "اللاجئ المناخي" التي أطلقها سنة ٢٠٢٢.
فيقول الفنان السعودي عبد الناصر غارم عن العمل الفني " فترة البحث عن هذا النوع تحديدا من الأعمال الفنية كانت أطول من فترة تنفيذ العمل، على سبيل المثال تحديد الدول التي تعاني من الأزمات المناخية والإحصاءات التي تذكر عدد النازحين والمهاجرين، وأيضًا تحديد السبب المناخي الذي ساهم في خلق هذا النوع من الأزمة لتتحول بعد ذلك الشعوب التي عانت إلى عابري سبيل ويصبح التحرك والتنقل حظهم الوحيد للبقاء".
وعن الآلية والأدوات التي استخدمها في اللوحة التي تمثل خريطة العالم، استخدم الأختام التي تحتوي على أحرف وأرقام ورموز مثبتة على سطح ألمنيوم، وطوابع زرقاء صغيرة موضوعة في المناطق التي تضم أكبر عدد من اللاجئين.
ستجد عنصر التكرار في اللوحة أو الخريطة بشكل مبالغ فيه دون انقطاع لتوصيل رسالته فيقول "التكرار له قدرة في تكوين اللاوعي الإنساني، وكما هو معروف الغرض من ممارسة التكرار على الشخص هو أن يؤكد على وجود موضوع جوهري لا يمكن نسيانه، وقد استقيت مفهوم التكرار من كوني كنت ضابط في المجال العسكري لمدة تقارب الثلاثة وعشرين عام، وهذا يعني إني خُلقت من رحم التكرار،كانت تصدر علينا الأوامر ونصدرها بشكل متكرر وكنت أشعر بمدى تأثير وسلطة التكرار".
كما استطاع أن يضيف بعد جديد للعمل الفني بطريقة تقديمه للجمهور من خلال عرضه في معرض شخصي له بمدينة نيويورك عام ٢٠٢٢ تحت عنوان " التفكير المضياف "، خلق تمهيد ومقدمة لطرح قضية لاجيء المناخ والحديث عن اللجوء بشكل عام، واستطاع أن يوصل فكرة أن ضيافة لاجئ المناخ ليست عمل خيري بل حق لكل غريب .. كما قال جاك دريدا " إما أن تكون الضيافة لا نهائية أو لا تكون"، وأن اللاجئ المناخي والمهاجر ليس كائن حدودي، وأن وضع الحواجز الخرسانية على الحدود لكبح المهاجرين من التنقل ليس حلًا للأزمات المناخية.
هكذا استطاع أن يوصل رسالته خلال اللوحة وفي طريقة عرضها للجمهور من خلال المعرض، وفي النهاية، ما يميز أعمال غارم أن فهم المتلقي للعمل الفني هو من يخلقه، فكما كانت أعماله ومازالت، استخدم فيها فنه وأدواته لمخاطبة جميع الحواس واستغل المعلومات المحيطة للتعبير عن قضايا تؤرقه ومستمدة من الواقع والحياة التي يعيشها مثل قضية "اللاجيء المناخي".
الأكثر شعبية
بين مفاهيم خاطئة وأنواع مهددة بالانقراض.. حياة أسماك القرش وتأثيرها على الوضع البيئي
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.