تحديات المناخ ُتهدد بقاء الأعشاب العلاجية واستمرارها
تحديات المناخ ُتهدد بقاء الأعشاب العلاجية واستمرارها.لا يتوقف الجدل حول الكيفية التي استطاع بها البشر التطور والوصول إلى ما هم عليه من حداثة.
لا يتوقف الجدل حول الكيفية التي استطاع بها البشر التطور والوصول إلى ما هم عليه من حداثة، وعلى صعيد شخصي، لطالما بحثت مطو ًلا منذ الصغر عن التغيرات التي طرأت على حياة الإنسان الأول الذي وجد نفسه وجهاً لوجه مع ملايين المتغيرات التي ُتهدد بقاءه على قيد الحياة، ولكن في نهاية كل بحث أُجريه كان هناك إجابة واحدة فقط يبدأ بها بحثي وينتهي إليها، ألا وهي "التكيف".
يقودني هذا الحديث إلى المرة الأولى التي سمعت بها مصطلح "السكان الأصليين"، ولربما تبادر هذا المُصطلح إلى ذهني الآن لأن بحثي الذي تبعه لم يكن التكيف هو الإجابة الوحيدة لسؤاله الرئيسي حول بقاء الإنسان واستمراره، إنما انتقال الملاحظات والتجارب والخبرات التي قام بها البشر منذ ملايين السنين من جيل لأخر منحهم القدرة على التعامل مع الطبيعة من نباتات وأعشاب، والإبداع بمكوناتها لعلاج أمراضهم، والوقاية من التهديدات الصحية التي واجهتهم، ثم منحها للعالم للاستفادة من فوائدها.
وعلى الرغم من أن الملاحظات والتجارب والقدرة على التكيف قد خدمت السكان الأصليين حول العالم وحافظت على حياتهم لآلاف السنين، إلا أن التحديات الحالية التي تواجه هذه الأقليات المجتمعية تهدد بقاءها واستمرارها، حيث أن التقارير الواردة من الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة منذ العام 2008 لا تخلو من القلق والبلاغات المُتكررة حول التهديدات التي تطال أكثر من 15 ألف نوع من النباتات و ُتهددها بالانقراض بسبب ما يعيشه العالم من تغيرات وأزمات مناخية تتفاقم يوماً بعد يوم.
تضع هذه التحديات السكان الأصليين في الخطوط الأمامية وجهاً لوجه مع التغيرات المناخية وتأثيراتها على مستويات مختلفة، حيث تجد تلك الشعوب التي ُتشكل 476 مليون شخص فقط، و ُتمثل نسبة 6.2٪ من إجمالي عدد السكان العالمي، تجد نفسها ملزمة بتعبئة وتعزيز معرفتها بأراضيها ومواردها الطبيعية لإشباع الطلب العالمي على الأعشاب وخاصة تلك المستخدمة في المجال الطبي. ويمكن القول هنا أن المسألة قد باتت ُتشكل تحدياً كبيراً لهم، ليس فقط بسبب التغيرات المناخية والفروق غير المسبوقة والظواهر الجوية المتطرفة والفجائية التي تؤثرعلى محاصيلهممنأعشابونباتاتوبذور؛إنمابسببالتشكيكأيضاًمن ِقبلالبعض في قدرة تلك الأعشاب الطبيعية على شفاء بعض الأمراض المزمنة وربما الخطيرة، واتهامها في بعض الأحيان بعدم الجدوى، مستعينين على ذلك ببعض التأثيرات الجانبية التي يسببها الاستخدام الخاطئ لها. مع العلم بأن التقارير تظهر وفاة حوالي 100,000 شخص كل عام بسبب الآثار السامة للأدوية، بينما يصعب العثور وتأ كيد دخول حالات للمستشفى أو وفيات ناجمة عن الأدوية العشبية.
بعض التقارير المُهمة لمنظمة الصحة العالمية والتي تؤكد أن حوالي 40٪ من المنتجات الصيدلانية اليوم تعتمد على مواد طبيعية تنتج وتص در من مجتمعات "السكان الأصليين"، مثل الزيوت والراتنج وغيرها من المنتجات التي غالباً ما يتم الوصول إليها واستخراجها بمساعدة مزارعي هذه المجتمعات الأصلية، كما يتم الاستفادة من 70 ألف نوع تقريباً من النباتات للأغراض الطبية، الأمر الذي ُيحتم علينا ضرورة توجيه النظر إلى دعم جهود تلك المجتمعات المنتجة في الحفاظ على تلك النباتات والعناية بها، لاسيما وأنها ُتساهم في الحفاظ على جودة حياتنا بشكل أو بآخر.
ولربما ما حدث مع عالمة النبات الدكتور "ساندي كناب" عندما تم تشخيصها بسرطان الثدي خير دليل على ذلك، حيث واصلت "كناب" خمسة أشهر من العلاج قبل أن ُتشفى، وخضعت لنوعين مختلفين من أنظمة العلاج الكيميائي، كلاهما يشتمل على مركبات مشتقة من الطبيعة مثل "التاكسول" الذي ُيعتبر أحد المشتقات الفطرية المستخدمة في علاج السرطانات والمشتق من شجرة "الطقسوس" المهددة بالانقراض والذي تعد من أقدم الأشجار البريطانية والتي تنشأ أيضا في الجزائر والمغرب، الدول التي تعاني حالياً من أزمة جفاف وتهديدات حقيقية للتغير ًالمناخي، ومركب ثا ٍن يسمى "الإبيروبيسين" الذي يتم عزله من إحدى أنواع بكتيريا التربة، ما أنقذ حياتها أخيرا.
على صعيد عربي، تزخر منطقتنا العربية عموماً ومنطقة الخليج العربي على وجه الخصوص بالتجارب والأمثلة على استخدام بعض الأعشاب البسيطة للتداوي، مثل »الزعتر« الذي يحتوي على ً العديد من المركبات والمكونات التي تجعله من النباتات متعددة الفوائد والأهمية، حيث يحتل اليوم عددا من رفوف الصيدليات بمستحضرات وأدوية متعددة الاستخدامات، ولكن التغيرات المناخية التي طالت الدول المنتجة لهذه النبتة "المغرب، لبنان، سوريا، تونس، الأردن" من ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار وشح المياه والجفاف، تهدد بقاءه واستمراره، أو يؤثر سلباً على خصائصه العلاجية وقيمه الطبيعية المعتادة.
هناكّ أيضاً »الحلول« والذي ُيمثل خليط من مجموعة أعشاب، مثل الورد والسنا وال ّلومي اليابس، إضافة إلى اللبان الذي تمتاز به بعض الدول العربية مثل "سلطنة عمان واليمن" والذي يواجه تهديدات انخفاض جودته بسبب تأثيرات تغير المناخ التي تهدد العديد من النباتات والأعشاب التي كنا شاهدين على فعاليتها وأهميتها، والتي لازالت إلى يومنا هذا جزءاً لا يتجزأ من الرعاية الصحية الحديثة والمشهورة في منطقتنا العربية التي تعاني حالياً من الجفاف، و ُتعتبر من أ كثر المناطق التي س ُتعاني من ندرة مزمنة في المياه بحلول عام 2040.
في الختام، تعتبر الأعشاب والنباتات مصادر مهمة للمركبات الطبية، ويكاد لا يخفى على أحد أن المجتمعاتً البشرية، ولا سيما الشعوب الأصلية التي تعتمد بشكل مباشر على البيئة من أجل الكفاف قد تأثرت سلبا بالفعل مع فقدان وظائف النظام البيئي، والتحديات التي يواجهها العالم بفعل تغير المناخ، ومع ذلك، فإن استمرارنا بدعم تلك الشعوب ذات التعدادات السكانية البسيطة، والتي تحمي 80٪ من التنوع البيولوجي في الغابات والصحاري والمراعي والبيئات البحرية التي عاشوا فيها لقرون ُيم كنهم من الاستمرار والمضي قدماً في تزويد العالم بآلاف الأنواع من النباتات والأعشاب، كما ُيمكّننا من استغلال الإمكانات العلاجية والوقائية لتلك الموارد الطبيعية الهامة في رعاية ملايين المرضى، ويجعلنا نتيقن أهمية تلك الأعشاب، بحيث ندعم سياسات الحفاظ عليها، ونمارس الإجراءات التي ُيمكن أن تنقذ حياتنا وتجعلها أ كثر سهولة واستدامة في المستقبل.
الأكثر شعبية
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.