جهود الحد من التلوث البلاستيكي.. من الإمارات نحو العالم
شهد العالم إثر انتشار جائحة كوفيد-19 تحسناً ملموساً في الوضع البيئي عموماً، وتمكنت الطبيعة من إثبات حضورها في واقعنا مع تنامي الغطاء الأخضر وانتشار الحيوانات على نحو ملحوظ. وأكدت هذه التطورات البيئية الإيجابية مسؤوليتنا في التسبب بتعاظم التحديات المناخية العالمية التي نواجهها اليوم. على صعيد آخر، تنامى استهلاك المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد على نحو غير مسبوق، ورغم الدور الحيوي لهذه المواد في حماية العاملين على الجبهات الأمامية في مواجهة انتشار الوباء، وتسهيل عمليات توصيل المواد والمنتجات الغذائية للناس الذين لازموا منازلهم، إلا أنها ساهمت في توسيع دائرة التلوث البلاستيكي، الذي يعتبر أحد أهم التحديات البيئية التي نواجهها حالياً. أدت هذه الأزمة إلى إلهامي للقيام بواجبي كامرأة إماراتية والمساهمة في تعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها "موطن الحلم والإنجاز". كما ساهمت مكانتي كمدافعة عن حقوق الحيوان، لا سيما الفيلة، التي تبنيت الكثير منها حول العالم، في تذكيري بواجبي الإنساني للبحث عن حلول تساهم في حماية الكائنات الحية على اختلافها.
أذهلتني الكميات الهائلة من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد التي تدفقت إلى الأسواق، مدفوعة بإنتاج ملابس الوقاية لأبطال الخطوط الأمامية والقفازات والكمامات ذات الاستخدام الواحد لتجنب انتشار الوباء. كما دفعني تنامي حجم هذه النفايات البلاستيكية إلى التساؤل عن مصير هذه المواد، وصرت أكثر تصميماً للتعرف على قطاع البلاستيك عن كثب. ومنحني العزل المنزلي الكثير من الوقت الذي استثمرته في التعرف على قطاع البلاستيك، واكتشفت أن أقل من 9٪ من المواد البلاستيكية يتم إعادة تدويرها، بينما يتم إلقاء ما تبقى كمخلفات تؤذي بيئتنا وتضر بمنظومتنا الطبيعية، ما جعلني أكثر تصميماً على المساهمة في إيجاد حل لهذه القضية البيئية. وقمت في إطار هذه المهمة، بالتواصل مع عدد كبير من الخبراء حول العالم، للتعاون من أجل تحقيق هدف جماعي يتمثل في رغبتنا بفهم التحديات الناجمة عن استخدام البلاستيك على نحو أعمق، وتسليط الضوء على واقع عمليات إعادة التدوير، ومحاولة استكشاف بدائل مستدامة.
وأدت الدراسات التي أجريناها إلى اكتشاف حقائق ورؤى استثنائية ومبهرة، فعلى الرغم من محدودية قابلية إعادة تدويره (يمكن إعادة تدوير المواد المصنوعة من البلاستيك 3-5 مرات فقط)، يبقى البلاستيك أكثر المواد تنوعاً واستخداماً على نطاق واسع. فقد ساهمت مرونته وقابليته للتكيف إلى اعتماده في استخدامات متنوعة؛ بدءاً من الأكياس الرقيقة إلى ألعاب الأطفال وصولاً إلى البراميل القوية المستخدمة في تخزين السوائل القابلة للاشتعال مثل البنزين.
وأدى تعمقنا في المشهد العالمي، إلى تعزيز فهمنا للقيود والتحديات التي تواجهها البلدان على مستوى عمليات إعادة تدوير البلاستيك. وكانت هذه الاكتشافات بمثابة حافز أدى إلى إطلاق "ريباوند"، وهي مبادرة رائدة لتداول المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير، بهدف الحد من النفايات البلاستيكية واستثمارها لتبني منهجيات الاقتصاد الدائري والمواد المعاد تدويرها والمساهمة بالتالي في خفض البصمة الكربونية ودعم الممارسات المستدامة.
تم إطلاق شركة "ريباوند" في سبتمبر عام 2022، تحت شعار "حل مبتكر تقدمه الإمارات للعالم"، لتسليط الضوء على المكانة الريادية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الاستدامة وإعادة تدوير البلاستيك. وجسّد هذا الحدث بداية مساري التعاوني مع فريق من الخبراء، وبالتالي إطلاق "منصة ريباوند" المخصصة لتداول البلاستيك على المستوى المؤسسي، والرامية لمنح المشترين والبائعين قنوات سلسلة لتداول المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير والمعاد تدويرها بكل ثقة مع ضمان أعلى معايير الجودة. كما تتطلع الشركة لتزويد الشركات والدول بمجموعة من المعايير الموحّدة لتعزيز قدرتها على تبني وتداول مواد بلاستيكية مضمونة الجودة، إلى جانب رفدها بأطر محددة لتسهيل تداول المواد البلاستيكية، فضلاً عن تسليط الضوء على الفوائد الملموسة التي يمكن تحقيقها من خلال تداول المواد البلاستيكية على نحو شفاف وموثوق.
"ريباوند" مهمتها الهادفة هي تبني نهج الاقتصاد الدائري على نحو واضح وملموس، تتطلب مشاركة جميع الأطراف المعنية في سلسلة القيمة، بدءاً من الأفراد والأسر وصولاً إلى الجهات الحكومية، إذ يبلغ معدل الاستخدام الفردي من البلاستيك حوالي 60 كلغ سنوياً. الأمر الذي يتطلب مشاركة حقيقية من قبل الجميع للحد من حجم النفايات البلاستيكية والمساهمة في استشراف مستقبل يتبنى نهج الاقتصاد الدائري. وتمكنّا في شهر مارس 2023، بعد أقل من 6 أشهر على إطلاق منصة "ريباوند"، من تأسيس ذراع الخدمات الاستشارية "ريباوند سوليوشنز" ، والتي يتم في إطارها التعاون مع منظومة متكاملة من الشركاء بهدف مساعدة العملاء من جميع أنحاء العالم. وتوفر هذه الذراع خدمات استشارية لتمكين الجهات المعنية عبر سلسلة القيمة والارتقاء بقدراتها، بدءاً من الأفراد والأسر الرامية للحد من بصمتها البلاستيكية، مروراً بالشركات الهادفة لاتباع ممارسات مستدامة، وصولاً إلى الجهات الحكومية الهادفة لاعتماد وتنفيذ سياسات فعالة في هذا الإطار.
ولا تقتصر أهداف "ريباوند" على مواجهة التحديات ذات الصلة بعمليات إعادة تدوير البلاستيك، بل تتعداها إلى العمل على اغتنام الفرص واستثمار الإمكانات الهائلة في هذا المجال. ورغم التحديات اليومية التي يواجهها فريقنا، إلا أننا نحرص على حماية إيجابيتنا والعمل بشكل جدي على تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا الطموحة. ويعتبر هذا المسار شهادة على أهمية الابتكار البشري والتصميم، ما يؤكد إمكانية استشراف مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة حتى في أحلك الظروف والأوقات.
واليوم، يحمل كل فرد في "ريباوند" مسؤولية نجاح العلامة، كسفراء يساهمون في خلق أجواء الأمل في إطار الجهود لمواجهة التلوث البلاستيكي. وتؤدي روح الشباب التي يتميز بها فريق عمل "ريباوند" إلى المساهمة في تطوير مكانة الشركة، وتعزيز الرؤية في استشراف مستقبل أكثر استدامة. وأتمنى أن نصل جميعنا إلى المرحلة التي نؤمن فيها بشكل عميق أن كل تحد نواجهه كفرصة يجب استكشافها والاستفادة منها لما فيه مصلحتنا ومصلحة مجتمعاتنا وبيئتنا.. وأتطلع بإيجابية وطموح استثنائيين، للاستمتاع بالحياة في عالم خالٍ من مخلفات البلاستيك، في مجتمعات تعي وتدرك مخاطر انتشار المخلفات البلاستيكية عبر كافة المجالات والأصعدة.
الأكثر شعبية
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.