الخيول البرية
تحقيقًا لحلم من أحلام الطفولة، سافرت المصورة أستريد هاريسون إلى منغوليا لتصوير آخر الخيول البرية الحقيقية، خيول برجفالسكي.
إنه لإحساس رائع عندما يدرك المرء أنه يعيش حلم طفولته. وبالنسبة للمصورة أستريد هاريسون، فقد راودها هذا الإحساس عندما وجدت نفسها على متن قطار متجه من بكين إلى العاصمة أولان باتور. وقد أتاحت لها رحلتها إلى منغوليا تصوير قطعان خيول برجفالسكي البرية لنشرها في كتاب جديد عن تاريخ سلالات الخيول في العالم.
وبينما هي تحدّق من النافذة في السهوب الشاسعة المتجمدة، تذكّرت أستريد أيام الطفولة عندما اشتركت في مجلة الصندوق العالمي للحياة البرية، وقرأت مقالًا أسر خيالها. كان المقال يدعو المتطوعين إلى السفر إلى منغوليا لمراقبة الخيول البرية التي أُطلِقت في منتزه وطني جديد. كانت تلك اللحظة بالنسبة لأستريد، ابنة الثماني سنوات، بداية اهتمامها بحفظ الطبيعة، وقد ألهمت رحلتها إلى منغوليا التي ستقوم بها بعد عشرين عامًا.
في اللغة المنغولية، يُسمى حصان برجفالسكي "تاخي" التي تعني "الروح". وكان برجفالسكي، وهو آخر الخيول البرية الحقيقية، أحد أهم الأجناس التي وثقتها هاريسون في موئلها الطبيعي المحمي حديثًا. وقد صلت أستريد، التي رافقتها الكاتبة تامسين بيكرال والمخرج روبن سارمينتو، إلى منتزه هوستاي الوطني للقاء عالم الأحياء باغي باتباتار والبحث عن القطعان البرية.
كانت ظروف التصوير قاسية، فعدسات الكاميرا تجمدت بفعل درجة الحرارة التي بلغت -32 درجة مئوية، والفريق عانى من التباين الشديد في درجات الحرارة بين خيمة اليورت الدافئة وسقيع الخارج. وقد أدرك الفريق، وهو يستكشف الأراضي الشاسعة المحيطة به، أن منتزه هوستاي الوطني لم يُغيره الزمن، وأنه ثابت على هيئته الطبيعية بعيدًا عن الحضارة. وتعكس صور هاريسون جمال الموائل التي تعيش فيها هذه الخيول الحرة وروحها الجامحة وبيئتها الطبيعية. وقد تعلمت أستريد وفريقها المزيد عما ينبغي فعله لحماية هذه الخيول وصون كل ما يدعم بقاءها، لضمان استمرار ازدهار قطعان برجفالسكي البرية.
وقد أعادت رحلة تصوير هذه القطعان البرية أستريد إلى زمن الطفولة عندما كانت تقرأ، وهي في الثامنة من عمرها، مقالًا عن حفظ الطبيعة، وقد وجدت تجربتها هذه تمامًا كما حلمت بها - تجربة جامحة بحق.
مقتطفات من كتاب "جلالة الحصان" (The Majesty of the Horse) (الصفحتان 23 و24، تأليف تامسين بيكرال)
يعد برجفالسكي من أهم الخيول وهو بالتأكيد أقدم سلالة حية من الخيول التي لا تزال موجودة على طبيعتها الأصلية. فهو يوفر حلقة وصل بين سلالات الخيول الحديثة وأقرب الخيول التي جابت السهول والهضاب في الأزمنة الغابرة. وتنحدر هذه السلالة من سهوب آسيا الوسطى الشاسعة، وقد وصلت إلى أوروبا في عصور ما قبل التاريخ. ولهذه الخيول ستة وستون صبغيًّا (كروموسوم) على عكس الخيول المُستأنسَة التي لديها أربعة وستون صبغيًّا. وبالرغم من هذا الاختلاف في الصبغيات، فإن التاخي والحصان المُستأنس قد يتزاوجان، وينجبان نسلًا خصيبًا، وإن كانت لديه فقط خمسة وستون صبغيًّا. لكن هذا النسل عندما يتناسل مرة أخرى مع الخيول المستأنسة، فيولد له نسل بأربعة وستين صبغيّا. وبالنظر إلى انتشار التاخي وهيمنته منذ عصور ما قبل التاريخ حتى ظهور الحصان الحديث، فمن المحتمل أنه أسهم على المستوى التأسيسي في ظهور بعض الخيول الأوراسية الأكثر بدائية مثل الخيل المنغولي الواسع الانتشار وخيل التبت. ومع ازدهار الثقافات البشرية وانتشارها، اصطيدت خيول برجفالكسي على نطاق واسع، إلى أن تقلصت أعدادها ونزحت أكثر فأكثر إلى المناطق النائية.
يُعرف نيكولاس برجفالسكي (1839-1888)، المستكشف والعقيد في الجيش الإمبراطوري الروسي، على أنه الشخص الذي أعاد اكتشاف هذه السلالة عندما شاهدها في أطراف صحراء جوبي في عام 1879. ومع انتشار خبر وجود هذه السلالة البرية، سعى أصحاب حدائق الحيوانات الخاصة للحصول على عينات منها، وهو أمر سيكون له لاحقًا دور رئيس في إنقاذ هذه السلالة من الانقراض. وقد اصطيدت هذه الخيول ونُقلت إلى حدائق الحيوانات والمنتزهات الخاصة في وقت مناسب جدًّا؛ إذ أن هذه السلالة كانت على حافة الانقراض، وجميع خيول برجفالسكي الموجودة اليوم تنحدر من نحو ثلاثة عشر من الخيول التي أُسِرت في ذلك الوقت. وكانت آخر خيول برجفالسكي قد شوهدت في بيئتها الطبيعية عام 1968 في غرب منغوليا، وقد أدى صيد هذه الخيول الصغيرة الضاربة في القدم إلى اختفائها من البرية.
ومن الصعب تكاثر هذه السلالة في الأسر. وبحلول عقد 1970، أصبحت أعدادها قليلة جدًّا، مما دفع إلى التحرك لإعادة رجفالسكي إلى بيئته الطبيعية وإرجاعه إلى موطنه. فأطلقت العديد من البرامج هذه الخيول في البرية. ففي عام 1990، وبعد سنوات من البحث والمداولات والدبلوماسية الدولية، اتُّفِق على أن منطقة هوستين نورو في منغوليا هي الأنسب لإعادة إدخال هذا الحيوان، ثم أطلِقت بعد عامين مجموعتان من خيول رجفالكسي في البرية. وأصبحت هذه المنطقة في عام 1997 متنزهًا وطنيًّا. وقد نجحت جهود إطلاق حصان برجفالسكي النادر، حتى أن تصنيف هذه السلالة انتقل عام 2008 من "منقرضة في البرية" إلى "مهددة بالانقراض بشدة"، وهو إنجاز مهم.
الأكثر شعبية
تقدم منصة ذا كلايمت ترايب قصصًا حول التنوع والحفاظ عليه، والاقتصاد الدائري، والغذاء والماء و مدى ارتباطهم بالبيئة.
اشترك
احصل على أحدث القصص الملهمة للعمل المناخي حول العالم مباشرة في بريدك الوارد.